خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ
٨١
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
٨٢
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ
٨٣
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ
٨٤
-الأعراف

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { شهوة }: مفعول له، أو مصدر في موضع الحال.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { و } أرسلنا { لوطًا إذ قال لقومه }،؛ واعظًا لهم: { أتأتون الفاحشةَ } أي: اللواط؛ توبيخًا وتقريعًا على تلك الفعلة المتناهية في القبح، { ما سبقكُم بها من أحدٍ من العالمين } أي: ما فعلها أحد قبلكم، وبخهم على أمرين: إتيان الفاحشة، واختراعها أولاً، ثم قال لهم: { إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء }، وصفهم بالشهوة البهيمية، وفيه تنبيه على أن العاقل ينبغي أن يكون الداعي له إلى المباشرة: طلب الولد وإبقاء النوع لا قضاء الوطر، { بل أنتم قومٌ مسرفون } أي: عادتكم السرف في كل شيء، حتى تجاوزتم ما أحل الله لكم من النساء إلى ما حرم عليكم من إيتان الذكور، وهو إضراب عن الإنكار إلى الإخبار بحالهم التي أدت بهم إلى ارتكاب أمثالها؛ وهي اعتياد الإسراف في كل شيء، أو عن الإنكار عليها إلى الذم لم على جميع معايبهم، أو عن محذوف، مثل: لا عذر لكم فيه، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف. قاله البيضاوي.
{ وما كان جواب قومه } له حين وعظهم، { إلا أن قالوا أخرجوهم } أي: لوط ومن آمن به، { من قريتكم } أي: ما أجابوه بشيء يصلح للجواب، لكن قابلوا نصحه بالأمر بإخراجه من قريتهم، والاستهزاء بهم، حيث قالوا: { إنهم أُناس يتطهرون } من الفواحش.
قال تعالى: { فأنجيناه وأهله } أي: من آمن معه، { إلا امرأته } فإنها كانت تسر الكفر؛ { كانت من الغابرين } أي: الباقين في ديارهم فهلكوا وهلكت معهم.
{ وأمطرنا عليهم مطرًا } أي: نوعًا عجيبًا من المطر، بيَّنه بقوله:
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } [الحِجر:74] { فانظر كيف كان عاقبةُ المجرمين } .
رُوِي أن لوط بن هاران بن تارح لما هاجر عمه إبراهيم إلى الشام، ونزل بالأردن، وكان هاجر هو معه، أرسله الله تعالى إلى أهل سدوم، ليدعوهم إلى الله، وينهاهم عما اخترعوه من الفاحشة، فلم ينتهوا عنها، فقلع جيريل مدينتهم، وجعل عاليها سافلها، وأمطر الحجارة على ما قربهم من القرى، وسيأتي في سورة هود بقية قصتهم، إن شاء الله. والله تعالى أعلم.
الإشارة: إنما أهلك اللهُ قوم لوط حيث آثروا شهوة نفوسهم على عبودية ربهم، وغلبهم الطبع البهيمي على مقتضى العقل الصافي، وقد تقدم الغزالي: إن الشَّره إلى الوِقاع من جملة المهلكات. فعلى المريد أن يصفي قصده، ولا ينزل إلى أرض الحظوظ إلا بالإذن والتمكين والرسوخ في اليقين، ولا ينزل بالشهوة والمتعة. وقد قال عليه السلام:
" المؤمن يأكل بشهوة أهله " فلا يأتي ما أحلَّ اللهُ لَهُ مِن متعة النِّساء إلا قيامًا بحقِّ الغَير وطلبًا للنسلِ. وبالله التوفيق.
ثم ذكر قصة شعيب عليه السلام فقال: { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً }.