خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ
١٠١
-التوبة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جل جلاله: { وممن حولكم }، يا أهل المدينة، { من الأعراب منافقون } ساكنون حولكم، وهم: جُهينة، ومُزينة، وأسلم، وغفار، وأشجع، كانوا نازلين حول المدينة، أما أسلم وغفار فتابوا، ودعا لهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال: "أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها" وأما الباقي فأسلم بعضهم.
قال تعالى: { ومن أهل المدينة } قوم { مَرَدُوا } أي: استمروا { على النفاق }، واجترؤوا عليه، وتمرنوا وتمهروا فيه، { لا تعلمُهم } أي: لا تعرفهم يا محمد بأعيانهم، وهو بيان لمهارتهم وتنوقهم في تحري مواقع التهم إلى حد قد خفي عليك حالهم، مع كمال فطنتك وحِذقِ فراستك، { نحنُ نعلمهم }، ونَطّلِع على أسرارهم إن قدروا أن يُلبسوا عليك فلا يقدرون أن يلبسوا علينا، { سنعذّبهم مرتين } بالفضيحة والقتل، أو بأحدهما وعذاب القبر، أو بأخذ الزكاة ونهك الأبدان في الحرب، أو بإقامة الحدود وعذاب القبر، أو بتسليط الحُمى عليهم مرتين في السنة، { ثم يُرَدُّون إلى عذاب عظيم } بعد الموت، وهو عذاب النار.
الإشارة: قد جعل الله ـ سبحانه ـ بحكمته وقدرته، في كُلَّ عصر وأوان بحرين: بحراً من النور وبحراً من الظلمة، من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، فلا بد في كل عصر من نور وظلمة، وإيمان وكفران، ونفاق وإخلاص، وصفاء وخوض، فأهل النور نورهم في الزيادة إلى قرب قيام الساعة، وأهل الظلمة كذلك إذ لا تعرف الأشياء إلا بأضدادها، ولا يظهر شرف النور إلا بوجود الظلمة، ولا شرف الصفاء إلا بوجود الخوض، ولا فضل العلم إلا بوجود الجهل، وهكذا جعل الله من كل زوجين اثنين، ليقع الفرار إلى الواحد الحق، فمن رام انفراد احدهما في الوجود فهو جاهل بحكمة الملك الودود. والله تعالى أعلم.
ولما ذكر من كملُ صفاؤه من السائقين، ومن كمل خوضه من المنافقين، ذكر من جمع بين الصفاء والخوض، فقال: { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً }.