خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ
٣٨
إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٣٩
-التوبة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (اثاقلتم)، أصله: تثاقلتم أدغمت التاء في الثاء، وجلبت الهمزة للساكن، وقرئ على الأصل، وضمن معنى الإخلاد، فَعُدِّيَ بإلى.
يقول الحق جل جلاله: { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله }؛ للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، { اثَّاقلتُم } أي: تباطأتم وأخلدتم { إلى الأرض } كسلاً وفشلاً، وكان ذلك في غزوة تبوك، أُمروا بها بعد رجوعهم من الطائف، في وقت عسر، وحَر، وبُعد الشقة، وكثرة العدو، فشق عليهم ذلك، { أرضيتُم بالحياة الدنيا } وكدرها، { من الآخرة }، بدل الآخرة ونعيمها، { فما متاع الحياة الدنيا } أي: التمتع بها في جانب الآخرة، { إلا قليلٌ }؛ مستحقر، لسرعة فنائه ومزجه بالكدر.
{ إلاّ تنفرُوا } مع رسوله إلى ما استنفرتم إليه، { يُعذبكم عذاباً إليماً } في الدنيا والآخرة، في الدنيا: بالإهلاك بأمر فظيع، كقحط وظهور عدو، وغير ذلك من المهلكات، وفي الآخرة: بعذاب النار. { ويستبدلْ } مكانكم { قوماً غيركم } في الدنيا، يكونون مطيعين لله ورسوله، كأهل اليمن، وأمثالهم، { ولا تضرُّوه شيئاً }؛ إذ لا يقدح تثاقلكم في نصر دينه شيئاً، فإنه الغني عن كل شيء، في كل وقت. وقيل: الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله وعده بالعصمة والنصرة، ووعده حق، { والله على كل شيء قدير } لا يعجزه شيء، فيقدر على التبديل وتغيير الأسباب والنصرة بلا مدد، كما فعل معه في الغار والهجرة، على ما ياتي.
الإشارة: ما لكم إذا قيل لكم: انفروا إلى من يُعرفكم بالله، ويعلمكم كيف تجاهدون نفوسكم في طلب مرضاة الله، اثاقلتم وأخلدتم إلى أرض الحظوظ والشهوات، أرضيتم بالحياة الدنيا الدنية، بل الحياة الأبدية، في الحضرة القدسية؟ أرضيتم بحياة الأشباح بدل حياة الأرواح؟ فما متاع الحياة الدنيا الفانية في جانب الحياة الأبدية في الحضرة العلية، إلا نزر قليل حقير ذليل، إلا تنفروا لجهاد نفوسكم، يعذبكم عذاباً أليماً، بغم الحجاب، وشدة التعب والنصب، وتوارد الخواطر والهموم، وترادُف الأكدار والغموم، ويستبدل قوماً غيركم يكونون عارفين بالله، مَرْضيين عند الله، راضين عن الله، والله على كل شيء قدير.
ثم ذكر نصرته لرسوله بلا سبب، فقال: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ }.