خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
٦٧
وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
٦٨
كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٦٩
-التوبة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: قال في الأساس: ومن المجاز: نَسيتُ الشيء: تركتُه، (نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ. قال في المشارق: ونسي بمعنى ترك، معناه مشهور في اللغة، ومنه: (نسوا الله فنسيهم) أي: تركوا أمره فتركهم. وقوله: (كالذين من قبلكم): خبر، أي: أنتم كالذين، أو مفعول بمحذوف، أي: فعلتم مثل فعل من قبلكم.
يقول الحق جل جلاله: { المنافقون والمنافقاتُ بعضُهم من بعض } أي: متشابهة في الكفر والبعد عن الإيمان، لا فرق بين ذكورهم وإناثهم في النفاق والكفر، وهو نفي لأن يكونوا مؤمنين. وقيل: إنه تكذيب لهم في حلفهم بالله: { إنهم لمنكم } وتقرير لقوله: وهو قوله: { يأمرون بالمنكر }؛ كالكفر والمعاصي، { وينْهَون عن المعروف }؛ كالإيمان والطاعة، { ويقبضُون أيديَهم } عن الإعطاءِ المبار، وهو كناية عن البخل والشح. { نَسُوا الله } أي: غفلوا، أي: أغفلوا ذكره، وتركوا طاعته، { فنسيهم }؛ فتركهم من لطفه ورحمته وفضله، { إن المنافقين هم الفاسقون }؛ الكاملون في التمرد والفسوق عن دائرة الخير.
{ وَعدَ اللَّهُ المنافقين والمنافقاتِ والكفارَ } أي: المهاجرين بالكفر، { نارَ جهنم خالدين فيها } أي: مقدرين الخلود. قال ابن جزي: الأصل في الشر أن يقال: أوعد، وإنما يقال فيه: "وعد" إذا صرح بالشر. هـ. { هي حَسْبُهُم } أي: جزاؤهم عقاباً وعذاباً، وفيه دليل على عظم عذابها، { ولعنهم الله }؛ أبعدهم من رحمته، وأهانهم، { ولهم عذابٌ مقيم } لا ينقطع، وهو العذاب الذي وعدوه، أو ما يقاسونه من تعب النفاق، والخوف من المؤمنين.
{ كالذين من قبلكُم } أي: أنتم كالذين من قبلكم، أو فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم، { كانوا أشدَّ منكم قوةً وأكثر أموالاً وأولاداً }، وهو بيان لتشبيههم بهم، وتمثيل حالهم بحالهم، { فاستمتعوا بخلافكم } أي: نصيبهم من ملاذ الدنيا وحظوظها، فأمّلوا بعيداً وبنوا مشيداً، فرحلوا عنه وتركوه، فلا ما كانوا أملوا أدركوا، ولا إلى ما فاتهم رجعوا، { فاستمتعتُم } أنتم { بخلاقِكم } أي: بنصيبكم مما خلق الله لكم وقدره لكم في الأزل، { كما استمتع الذين من قبلكُم بخلاقِهِم }، ثم تركوا ورحلوا عنه، كذلك ترحلون أنتم عنه وتتركونه.
قال البيضاوي: ذمَّ الأولين باستمتاعهم بحظوظهم المُخدَّجة من الشهوات الفانية، والتِهَائِهم بها عن النظر في العاقبة، والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيرة؛ تمهيداً لذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء آثارهم. هـ.
{ وخُضْتُم } في الباطل { كالذي خاضُوا } أي: كخوضهم، أو كالخوض الذي خاضوه، وقيل: كالذين خاضوا فيه، فأوقع الذم على الجميع. { أولئك حبِطَتْ أَعمالُهم في الدنيا والآخرة } أي: لم يستحقوا عليها ثواباً في الدارين، { وأولئك هم الخاسرون }؛ الكاملون في الخسران، خسروا الدنيا والآخرة.
الإشارة: ينبغي لأهل الإيمان الكامل أن يتباعدوا عن أوصاف المنافقين؛ فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويمدّون أيديهم بالعطاء والإيثار، ويذكرون الله على سبيل الاستهتار، حتى يذكرهم برحمته. ويتشبهون بمن قبلهم من الصالحين الأبرار، فقد استمتعوا بلذيذ المناجاة، وحلاوة المشاهدات، وبلطائف العلوم والمكاشفات، أولئك الذين ثبتت لهم الكرامة من الله في الدنيا والآخرة، وأولئك هم الفائزون.
ثم هدد المنافقين بإهلاك من قبلهم، فقال: { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }.