تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } إلى قوله { لاَ يُؤْمِنُونَ }.
{ هُنَالِكَ }: نصب على الظرف، واللام زائدة، وكسرت لالتقاء الساكنين، والكاف للخطاب. والمعنى: في ذلك الوقت.
ومن / قرأ "تتلو" بتاءين فمعناه: في ذلك الوقت تتبع كل نفس ما قدمت من عمل.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يَمْثُلُ لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله سبحانه فيتبعونه حتى يردوا بهم إلى النار. ثم تلا هذه الآية" .
والعرب تقول: فلان "يتلو طريقة أبيه": أي: يتبع، ومنه قوله: { { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } [هود: 17].
وقيل: معنى { تَتْلُو } تقرأ. أي: في ذلك الوقت يقرأ كل إنسان ما أسلفه في الدنيا من عمل، أي: يقرأ كتاب حسابه كما قال: { { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [الإسراء: 13].
وقال ابن زيد: تتلو: تعاين ما عملت.
ومن قرأ "تبْلو" بالباء فمعناه: تختبر كل نفس ثواب ما عملت من خير، أو شر. وتصديق ذلك قوله: { { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [الطارق: 9]، والقراءتان متقاربتان، لأن من اختبر شيئاً فقد اتبعه ليختبره ومن اتبع شيئاً فهو أقرب الناس إلى اختباره وقراءته ومعاينيه.
قوله: { مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } يجوز نصب الحق على المصدر المؤكد لردوا، أو لمولاهم. ويجوز نصبه على المدح بمعنى "أغنى" ويجوز الرفع على "هو مولاهم الحق"، والخفض على النعت لله عز وجل.
{ وَضَلَّ عَنْهُمْ }: أي: بطل ما كانوا يفترون، أي: يتخرصون من الأنداد والآلهة. و "ما" والفعل مصدر في موضع رفع بـ (ضَلَّ).
ثم قال تعالى: { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ }: أي: من ينزل من السماء الغيث، ومن خلق المصالح التي بها تم معاشكم: من شمس وريح، وحر وبرد. ومن الأرض والنبات، والعيون والمنافع.
{ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ }: أي: يملكها، ويزيد في قواها، أو يسلبكموها ومن يملك الأبصار أن تضيء لكم، أو يذهب بنورها. ومن يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي. قد تقدم ذكرها في آل عمران.
قوله: { وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ }: أي: "أمر السماء والأرض وما فيهن" { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ }: أي: الذي فعل ذلك الله عز وجل فقل لهم يا محمد: { أَفَلاَ تَتَّقُونَ }: أي: "أفلا تخافون عقاب الله سبحانه على شرككم".
{ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ }: وقف.
ثم قال تعالى: { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ }: أي: ذلكم الله الذي فعل هذه الأشياء واخترعها هو { رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ }: أي: الذي لا شك فيه.
{ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } (المعنى: أي: منزلة بعد الحق إلا الضلال. أي: من ترك الحق حل في الضلال).
{ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } أي: من أين تصرفون عن الحق، وأنتم مقرون بالله سبحانه مخترع جميع هذه الأشياء. ثم تعبدون من لا يخلق شيئاً، ولا يملك ضراً ولا نفعاً.
{ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } الكاف من كذلك في موضع نصب والتقدير: كما صرف هؤلاء عن الحق إلى الضلال { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ }: أي: خرجوا من دين الله سبحانه. { أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }: أن في موضع نصب على معنى بأنهم، أو لأنهم.
وقال الزجاج: يجوز أن تكون في موضع رفع على البدل من الكلمات، وأجاز الأخفش، والفراء في الكسر في أن على الإلزام لترك الإيمان.
وقيل: المعنى "حق عليهم أنهم لا يؤمنون". "فإن": في موضع رفع خبر "حق".
ومعنى: (حقت عليهم كلمات ربك): أي: وجب عليهم في علمه، وفي السابق في اللوح المحفوظ { أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }.