تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا } إلى قوله - { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }.
المعنى: / "اتخذا لقومكما بمصر بيوتاً" { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً }: أي: "مساجد تصلون فيها"، لأنهم كانوا يَفْرَقون من فرعون، وقومه أن يصلوا. فقال لهم: اجعلوا بيوتكم مساجد حتى تصلوا فيها.
قال النخعي: خافوا، فأُمروا أن يصلوا في بيوتهم.
(وعن ابن عباس، قال مجاهد: كانوا لا يصلون إلا في البيع خائفين، فأُمروا أن يصلوا في بيوتهم).
وعن ابن عباس: (واجعلوا بيوتكم قبلة): يعني: قِبَل الكعبة.
وقيل: كان فرعون أمر بهدم الكنائس، فأمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد، يصلون فيها سِرّاً.
قال مجاهد: مِصْرُ هنا الإسكندرية.
وقال ابن جبير: المعنى: واجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضاً.
{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ }، أي: بحدودها. { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }: هذا (خطاب) للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: وبشر مُقيمي الصلاة بالثواب الجزيل.
ثم قال تعالى حكاية عن قول موسى أنه قال: { رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً }، { رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ }: المعنى: إنه لما آل أمرهم إلى هذا كان كأنه إنما أتاهم ذلك للضلال. وأصل هذا اللام لام كي، وقيل هي لام العاقبة.
وقيل: هي لام الفاء، أي: فكان لهم ذلك، لأنه قد تقدم في علمه تعالى ذلك.
وقيل: المعنى: لئلا يضِلُّوا وحذفت "لا" كما قال: { { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [النساء: 176]. وهذا القول لا يحسن، لأن العرب لا تحذف لا إلا مع "أن". ومعنى الآية: أن موسى قال: يا رب إنك أعطيت فرعون، وعظماء قومه، وأشرافهم (زينة): يعني من متاع الدنيا وأثاثها (وأموالاً) يعني من الذهب والفضة.
{ رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ }، أي: أعطيتهم ذلك ليضلوا، ثم دعا عليهم موسى، فقال: { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ }، أي: اذهبها، وغيرها، واجعلها حجارة.
قال مجاهد: "اجعل سكرهم حجارة".
قال قتادة: جعل زرعهم حجارة.
قال مقاتل: جُعلت دنانيرهم، ودراهيمهم حجارة منقوشة، كهيئتها على ألوانها، لتذوب، ولا تلين، فجعل الله سكرهم حجارة.
قال قتادة: تحول زرعهم، وكذلك قال الضحاك.
وقال ابن عباس: (اطمس عليها: أي: دمِّرها، وأهلِكْهَا. وكذلك قال مجاهد.
واشدد على قلوبهم): أي: حتى لا تنشرح للإيمان، فلا تؤمن.
وقال مجاهد: اشدد عليها بالضلالة.
قال ابن عباس: استجاب الله عز وجل من موسى، فحال بين فرعون وملئه، وبين الإيمان حتى أدركه الغَرق، فلم ينفعه الإيمان.
والعذاب الأليم في هذه الآية: الغرق.
قوله: { فَلاَ يُؤْمِنُواْ } قال المبرد: موضعه موضع نصب، وليس بدعاء. وهو معطوف على "ليضلوا" وهو قول الزجاج.
وقال الكسائي، وأبو عبيدة: هو دعاء في موضع جزم.
وقال الأخفش، والفراء: هو جواب الدعاء في موضع نصب، مثل: إلى سليمان فَنستريحا - البيتَ -.
فقال تعالى لهما: { قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا }: هذا خطاب لموسى، وهارون، لأن موسى كان يدعو، / وهارون يؤمن.
وقيل: إنَّه خِطَابُ موسى، خطاب الاثنين لغة العرب.
وقوله: { دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا }: يدل على أن ذلك لموسى وهارون عليهما السلام: فالداعي موسى، والمؤمن هارون، والمؤمن داع أيضاً، لأنه يقول: اللهمَّ استجب فهو داع بإجابة الدعاء الذي دعا موسى. وكان بين الإجابة ودعاء موسى أربعون سنة.
وقوله: { وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ } من خفف "النون" فهو على النفي، لا على النهي. والرواية عن ابن ذكوان بالتخفيف: يزيد عند القُرَّاء تخفيف التاء، وهو وجه الرواية. غير أنا لم نقرأ إلا بتخفيف النون دون التاء.
ومعنى: { فَٱسْتَقِيمَا } أي: اثبتا على دعاء فرعون، وقومه إلى الإيمان. قال ابن جريج: مكث فرعون بعد هذه الآية أربعين سنة.
ومعنى: { وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }: أي: يجهلون حقيقة وعيد الله (عز وجل).