قوله: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ } إلى قوله: { لَغَافِلُونَ }.
ومن قرأ "إنه" بكسر الهمزة، فعلى الابتداء. وتقدير الكلام: آمنت بالذي كنت به مكذباً. ثم ابتدأ: إنه لا إله إلا الله.
وقيل: المعنى: صرتُ مؤمناً. ثم قال: "إنه مستأنفاً.
وقال أبو حاتم: القول محذوف، والتقدير، قال: آمنتُ فقلت: إنه ومن فتح فمعناه: آمنت بأنه، "فأن" في موضع نصب بحذف الخافض. وعلى مذهب الكسائي في موضع خفض بتقدير الخافض. والمعنى: وقطعنا ببني إسرائيل البحر، { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً }: أي: اعتداء، وظلماً على موسى، ومن معه.
وقرأ قتادة "وعدواً" بالضم والتشديد حتى إذا أدركه الغرق أي: أحاط به. وفي الكلام حذف. والتقدير: "فَغَرَقْناهُ": "حتى إذا أدرك الغرَق". قال عليه السلام: "جعل جبريل يدس، أي: يحشو في فم فرعون الطين مخافة أن تدركه الرحمة" .
(وروى ابن وهب أن عون بن عبد الله قال: بلغني أن جبريل عليه السلام، قال: يا رسول الله! والذي نفسي بيده، ما وَلد إبليس، ولا آدم ولداً قطُّ كان أبغض إليَّ من فرعون، وإنه لما { أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } فخشيت أن يعود لها فيُرْحَمَ، فقمت حتى أخذت تربة، من تربة البحر، فحشوتها في فيه).
(وروي أن جبريل قال للنبي عليهما السلام: لقد كببتُ في فيه الماء، مخافةَ أن تدركه الرحمة).
وروي أنه قالها حين أَلْجَمَهُ الماء، وأدركه الغرق.
ثم قال تعالى حكاية عن تعريفه لفرعون قبح ما فعل:
{ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ }: يعني: أيام حياته إلى الساعة تؤمن، وقد عصيت أيام حياتك { وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }: أي: من الصادين عن سبيل الله سبحانه.
قال السدي: بعث الله، عز وجل، إليه ميكائيل، فقال له، آلآن وقد عصيت قبل.
ثم قال تعالى: { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ }: أي: نُلْقيك على نَجْوةٍ من الأرض، أي: على ربوة، ليعتبر من رآك.
وقيل: نخرجك ببدنك الذي نعرفك به / وذلك أنه كان له بدنٌ مذهبٌ، وهو ذرع كانت له.
قال قتادة: لم يصدق طائفة من الناس أنه غرق، فأخرجه الله عز وجل، ليكون عظة، وآية، ينظر إليها من كذب بهلاكه.
وقوله: { لِمَنْ خَلْفَكَ (آيَةً) }، أي: لمن بعدك.
وقال مجاهد: { بِبَدَنِكَ }، أي: بجسدك.
قال ابن عباس: لما أغرق الله عز وجل، فرعون، ومن معه. قال: أصحابُ موسى لموسى: إنا نخاف ألا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه. فدعا ربه فأخرجه، فنبذه البحر حتى استيقنوا بهلاكه.
قوله: { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا }: أي: عن أدلتنا على أن العبادة لا تكون إلا لله { لَغَافِلُونَ }: أي: لساهون.