تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: {قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ} - إلى قوله - {وَدُودٌ}.
والمعنى: قالوا: يا شعيب: أصلواتك أي: أدعواتك {تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} من بخس الناس في الكيل والوزن.
قال ابن زيد: نهاهم عن قطع الدنانير، والدراهم، كانوا ينقصون منها، ويجوزونها بالوازنة. وقيل: معناه: مساجدك التي تتعبد فيها تأمرك بِنَهْيِنَا. وقد سمى الله، عز وجل، المساجد صلوات، فقال: { وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } [الحج: 40].
وقيل: هي صلاته لله عز وجل، لأنها كانت على خلاف ما كانوا عليه.
قوله: {إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} قالوا على معنى الاستهزاء. وقيل: المعنى: إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك.
وقيل: المعنى: أنت الحليم، الرشيد، فكيف تأمرنا بترك عبادة ما كان آباؤنا يعبدون، وتنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء، من قطع، أو بخس، أو غير ذلك. وقال: هو تعريض يُراد به الشتم ومعناه: إنك لأنت السفيه الجاهل.
ثم قال تعالى حكاية عن جواب شعيب لهم: {قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ (إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ) مِّن رَّبِّي} أي: على بيان، وبرهان فيما أدعوكم إليه. {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً} أي: حلالاً، وجواب / الشرط محذوف لعلم السامع. والمعنى: أفتأمرونني بالعصيان.
وقيل: المعنى: أفلا أنهاكم عن الضلالة.
ثم قال: {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}: أي: لست أنهاكم عن شيء، وأركبه.
{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ}: أي: ما أريد فيما آمركم به إلا الإصلاح، لئلا ينالكم من الله، عز وجل، عقوبة.
{وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ}: أي: ليس توفيقي، وإصابتي الحق فيما أنهاكم عنه إلا بالله. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ}: أي: فوضت أمري إليه، {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}: أي: أرجع.
{رِزْقاً حَسَناً}: وقف عند أبي حاتم. {مَا ٱسْتَطَعْتُ}: وقف عند نافع.
ثم قال لهم: {وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ}: أي: لا يكسبنكم مشاقتي: أي: مخالفتي، وعداوتي، {أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ}: من الغرق، {أَوْ قَوْمَ هُودٍ}: من العذاب، {أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ}: من الرجفة. {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} الذين انقلبت عليهم مدائنهم. وأصل الشقاق في اللغة: العداوة.
{وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ}: أي: من ذنوبكم التي أنتم عليها مقيمون. {ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ}: أي: ارجعوا إليه باتباع طاعته.
{إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ}: أي: رحيم لمن تاب إليه، {وَدُودٌ}: أي: ذو محبة لمن تاب وأناب.