تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً } إلى قوله { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }.
المعنى: ولئن وسعنا للإنسان في رزقه وعيشه، ثم سلبنا ذلك منه. { إِنَّهُ لَيَئُوسٌ }: أي قنوط من الرحمة.
{ كَفُورٌ }: أي: "كفور لمن أنعم عليه، قليل الشكر".
والإنسان هنا اسم للجنس، وقيل: هو للكفار خاصة.
ثم قال تعالى: { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ }: أي: ولئن بسطنا له في الرزق والعيش، بعد ضيق في رزقه مسه منه ضررٌ { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ }: أي: ذهب الضيق، والعسر عني. { إِنَّهُ لَفَرِحٌ }: أي: مرح، لا يشكر، { فَخُورٌ }: أي يفخر بما ناله من السعة في رزقه، فينسى صروف الدنيا، وعوارضها غرَّة منه وجرأة. { { ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [القصص: 76]: وهذا كله من صفة الكافر.
وقد قرأ بعض أهل المدينة "لَفَرَحٌ" بضم الرَّاء، وهي لغة، كما يقال: رجل قطِرٌ وقطُرٌ وحذَر وحذُرٌ. ثم استثنى. تعالى ذكره من هؤلاء قوماً ليسوا على هذه الصفة فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } أي: على الضيق والعسر, وحمدوا الله على ما نالهم.
{ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ }: أي: الأعمال التي هي طاعات.
{ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ }: أي: من الله: أي: لهم مغفرة لذنوبهم، فلا يفضحهم في معادهم.
{ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }: أي: ثواب عظيم على أعمالهم، وهو الجنة.
وقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ } هو استثناء ليس من الأول عند الأخفش بمعنى: "لكن". فهذا في المؤمنين، والأول / في الكافرين فهما جنسان ونوعان.
وقال الفراء: هو استثناء من أذقناه، لأن الإنسان بمعنى الناس، فهو من الأول.
ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام: { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } أي: فلعلك تتْرك بعض ما يوحى إليك يا محمد، فلا تُبلغه لمن أمرت أن تبلغه إياه.
{ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ }: أي: وضائق بما يوحى إليك صدرك، فلا تبلغهم إياه مخافة أن يقولوا: فهلا { أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ }: من مال { أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ } يصدقه فيما يقول، وينذر معه. إنما عليك يا محمد الإنذار. { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }: أي: لست يا محمد عليهم بوكيل. الله هو الوكيل عليهم، أي: هو القائم بمجازاتهم وأمورهم.
فالهاء في "به" تعود على "ما"، أو على "بعض"، أو على التبليغ، أو على التكذيب.