تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ } إلى قوله { لاَ يَشْكُرُونَ }. كان الفتيان غلامين من غلمان الملك الأكبر. أحدهما: صاحب شرابه، والآخر: صاحب طعامه / سخط عليهما الملك. وذلك أنه بلغه أن صاحب الطعام يريد أن يَسُمَّهُ له وظن أن صاحب الشراب مالأه على ذلك. قال ذلك السدي: [قال]: لما دخل يوسف في السجن قال: إني أعبُر الأحلام. فقال أحد الشابين [لصاحبه]: هلم فلنجرب هذا [العبد] العبراني. فَتتَراءَيَا له، فَسَأَلاَه من غير أن يكونا رأيا شيئاً، فقال صاحب الطعام: { إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ }، وقال صاحب الشراب: { إِنِّيۤ أَرَانِيۤ } أعصر خمراً وقيل: بل كانا رأياها على صحة في منامهما.
وروي أنه لما فسر لهما ما رأيا رجعا، فقالا ما رأينا شيئاً، وإنما جربناك. فقال يوسف صلى الله عليه وسلم: { قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } أي: لا بد من كون ما قلت لكما من عبارة رؤياكما.
وقال ابن مسعود: قال الفتيان: إنما كنا تحالمنا لنجربا إنما كنا نلعب، فقال يوسف لهم: ({ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }) (قال مجاهد: قال يوسف لهما): أنشدكما الله أتحباني. فوالله ما [أ]حبني أحد قط، إلا دخل عليّ من حبه بلاء: لقد أحبتني عمتي، فدخل علي من حبها بلاء، ثم لقد أحبني أ[بي]، ولقد دخل عليّ من حبه بلاء، ثم لقد أحبتني زوجة صاحبي هذا، فدخل علي من حبها بلاء، فلا تحباني. بارك الله فيكما. (قال) فَأَبَيَا إلا حبه، وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله.
وفي قراءة ابن مسعود: "أعصر عنباً" ومعناه: خمر عنب.
قال ابن عباس: لغة عمان يسمون الخمر عنباً و (قيل): المعنى: أعصر عنب خمر ومعنى: { فَوْقَ رَأْسِي }: أي: على رأسي.
وقوله: { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }: أي: تحسن إلينا.
قيل: كان يعود مريضهم، ويقوم عليه، ويعزي حزينهم. وكان إذا احتاج [منهم] إنسان جمع له، وإذا ضاق المكان وسع له، ويجتهد لربه.
قال: لما دخل السجن، وجد قوماً قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم، وطال حزنهم، فجعل يقول: اصبروا تُؤْجَرُوا أجراً [إ]ن لهذا ثواباً. فقالوا: يا فتى بارك الله فيك، ما أحسن وجهك، وأحسن خلقك، (لقد) بُورِكَ لنا في جوارك، ما نحب أنَّا كنا في غير هذا المكان لما تخبرنا من الأجر والكفارة، فمن أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف، نبي الله، ابن يعقوب بن ذبيح الله إسحاق، ابن خليل الله إبراهيم.
قال ابن مسعود: أعطي وأمه ثلث حسن الناس.
وقال جعفر بن محمد: أعطي يوسف نصف حسن الناس.
وروي مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إن كانت المرأة الحامل لتراه فتضع"
).
وقيل معنى: { مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }: إنْ نبَّأتنا بتأويل رؤيانا.
قال يوسف لهما { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ }: أي: في منامكما { إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ } يعني: في يقظتكما { قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا } تأويل ما رأيتما. قال (ذلك السدي وابن اسحاق).
ثم قال: { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } أي: برئت منها.
وإنما أجابهما يوسف بهذا، وليس / بداخل في السؤال، لأنه كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما، لما علم فيها من رؤيا الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً. وأعرض عن جوابهما مرتين، وأخذ في غيره كذا قال ابن جريج ومعنى: { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ }: إن الملك (كان) إذا أر(ا)د قتل إنسان، صنع له طعاماً معلوماً. فأرسل به إليه.
فقال يوسف لهما: { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ }: يعني: من عند الملك { إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ }: أي: أخبرتكما: هل هو طعام من يراد قتله، أو طعام من يراد به غير ذلك. فأعلمهما أن عنده علماً من معرفة الطعام. فيكون المعنى: في اليقظة، لا في النوم.
وكان هذا بعدوله عن تفسير رؤياهما لما كره من ذلك، فلم يدعاه يعدل عن جوابهما، وسألاه ثانية، وكره العبارة فتمادى في العدل. وقال: { { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [يوسف: 39] - إلى قوله - { { يَعْلَمُونَ } [يوسف: 46]: فلم يدعاه حتى سألاه ثالثة فعبر لهما، وقال { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا (فَيَسْقِي) رَبَّهُ خَمْراً } - الآية - فلما عبر قالا: ما رأينا شيئاً، إنما كنا نلعب فقال: { قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }.
قوله: { أَن يَأْتِيكُمَا } وقف (وفي) "ربي": وقف.