تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله [تعالى]: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } إلى قوله: { ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ }.
الإنسان هنا آدم [صلى الله عليه وسلم]. [و] الصلصال الطين اليابس الذي لم تأخذه نار، فإذا نقر صلصل، أي: صوت.
وقال ابن عباس خلق [الله] آدم [صلى الله عليه وسلم] من ثلاثة: من صلصال، ومن حمأ، ومن طين لازب. [فاللازب] اللاصق، والحمأ الحمأة، والصلصال التراب المدقق. وسمي إنساناً لأنه عهد إليه فنسي.
وقال قتادة: الصلصال التراب اليابس الذي يسمع له صلصة. وقال الضحاك: هو طين صلب يخالطه الكثيب يعني: الرمل.
وقال مجاهد: / الصلصال المنتن. أخذ من صل اللحم [وأصل] إذا انتن، وأصله على هذا [القول]: "صلال"، ثم أبدل من اللام الثانية صاد. وهذا التأويل ينقضه قوله: { { مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ } [الرحمن: 14] فشبهـ[ـه] بالفخار، والفخار ليس بمنتن. لكن قوله: { مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } يريد كونه متغير [اللون و] الرائحة. لأن الحمأ متغير الرائحة، دليلـ[ـه] قوله: "مسنون". والمسنون عند ابن عباس المتغير الرائحة، وكذلك قال مجاهد، وهو قول: أبي عمرو [و] الكسائي. وقال غيرهم: مسنون مصبوب. من سننت الماء: صببته. وقال الفراء: هو طين مختلط برمل فيسمع له صلصلة.
وقال أبو عبيدة: يقال للطين: صلصال، ما لم تأخذه النار. فإذا أخذته فهو فخار. وكل شيء له صوت، سوى الطين، فهو صلصال.
و "الحمأ" جمع حمأة وهو الطين المـ[ـتـ]ـغير إلى السواد. و "المسنون" المنتن في قول ابن عباس، ومجاهد، وأبي عمرو، والكسائي.
وقال أبو عبيدة: المسنون: المصبوب. يقا[ل] سننت الشيء إذا صببته. وسننت الماء على وجهه: صببته. وعن ابن عباس: المسنون الرطب. فهذا يوافق قول أبي عبيدة، لأنه لا يكون مصبوباً حتى يكون رطباً.
وقال الفراء: المسنون المحكوك من سننت الحديد. ولا يكون على هذا إلا متغيراً.
وقيل: المسنون المصبوب على مثال وهيئة، من سننت الوجه.
ثم قال [تعالى]: { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ }.
والمعنى: إبليس خلقناه من قبل آدم من نار السموم. والسموم عند ابن عباس الحار الذي يقتل كل شيء.
وقال الضحاك: معناه: من لهب من نار السموم. والعرب تستعمل السموم بالليل والنهار.
وقيل: [إن] السموم إنما يكون بالليل والحرور بالنهار.
[و] قال ابن مسعود: نار السموم التي خلق الله [عز وجل] منها الجان. والسموم الشديد والحر، جزء من سبعين جزءاً من نار السموم التي الله خلق الله [عز وجل] منها الجان.
وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "نار السموم جزء من سبعين جزآ من جهنم" .
قال الضحاك: { مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } من لهب النار.
ويروى أن الله جلّ ذكره: خلق نارين، ناراً فيها السموم وناراً ليس فيها السموم. فمزج واحدة في الأخرى، فأكلت النار التي فيها السموم، النار الأخر[ى] فخلق إبليس منها. قال الحسن: نار السموم، نار دونها حجاب، والذي تسمعونه من الصواعق من انغطاط الحجاب.
والسموم في الأصل: الريح الحارة.
وقال وهب بن منبه: الجن أجناس: منهم من يأكل ويشرب وينكح، وأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلـ[ـون] ولا يشربون.
ثم قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ }.
أي: واذكر يا محمد، إذ قال ربك هذا. قال ابن عباس لما خلق الله [عز وجل] الملائكة قال: إني خالق بشراً من طين فإذا خلقته وصار حياً فاسجدوا، وهذا السجود سجود تكرمة وتحية لا سجود عبادة.
وقوله: { مِن رُّوحِي }.
قال الضحاك: من قدرتي، وتحقيق الأمر أنه إضافـ[ـة] خلق إلى خالق، فالروح خلق الله [سبحانه]، إضافة إلى نفسه، لأنه اخترعه وخلقه. كما يقال: خلق [الله] وأرض الله، وسماء / الله، وهو كثير. هذا قول أهل المعرفة بالمعاني فافهمه.
"فلما خلقه الله [عز وجل] أبوا أن يسجدوا، فأرسل عليهم نار[اً] فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة، وقال لهم مثل ذلك، فقالوا: سمعنا وأطعنا، إلا إبليس كان من الكافرين، أي: من الأولين الذين امتنعوا من السجود.
وقيل: كان من الكافرين في اللوح المحفوظ. فعلى هذا القول: يكون قوله: "إلا إبليس" استثناء من الجنس.
وقال أبو إسحاق: إنه استثناء ليس من الأول. فجعل إبليس: ليس من الملائكة.
فلما امتنع من السجود قال له الله: ما منعك أن تكون من الساجدين؟ قال إبليس تكبراً وتجبراً وحسداً لآدم: { لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }، أي: أنا خير منه، لأنك خلقته من طين وخلقتني من نار. والنار تأكل الطين فلا أسجد له. قال الله له: { فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ }، أي: أخرج من السماوات. فإنك مرجوم أي: مشتوم.
{ وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ } أي: الغضب { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } أي: يوم الجزاء وهو يوم القيامة. قال إبليس: رب إذا أخرجتني من السماوات ولعنتني { فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي: أخرني ولا تمتني، إلى يوم يبعث ولد هذا الذي فضلت علي، قال الله [عز وجل] { فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } أي: من المؤخرين فلا تموت إلى يوم الوقت المعلوم أي: [يوم] هلاك جميع الخلق.
قال سفيان: "الوقت المعلوم" النفخة الأولـ[ـى].