قوله: { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } إلى قوله: { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }.
أي: أوحينا إليك يا محمد بأن تتبع دين إبراهيم مائلاً عن كل الأديان إلا عنه.
ثم قال [تعالى]: { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ }.
[أي: إنما فرض تعظيم السبت على الذين اختلفوا فيه].
فقال بعضهم: هو أفضل الأيام، لأن الله فرغ من خلق الأشياء يوم الجمعة، ثم سبت يوم السبت، وقال آخرون: أفضل الأيام [يوم] الأحد، لأنه [الــ]ـيوم الذي ابتدأ فيه خلق الأشياء. واختلفوا في تعظيم غير ما فرض عليهم تعظيمه ثم استحلوه.
قال مجاهد: جعل السبت على الذين اختلفوا فيه فاتبعوه وتركوا يوم الجمعة. وقال قتادة: "اختلفوا فيه": استحله بعضهم وحرمه بعضهم، وهو قول: ابن جبير.
وقال ابن زيد: كانوا يطلبون يوم الجمعة فأخطؤوه وأخذوا يوم السبت [فجعل عليهم، وقيل: إنهم ألزموا يوم الجمعة عيداً فخالفوا، وقالوا: نريد يوم السبت] لأنه يوم فرغ الله فيه من خلق السماوات.
وروي: أن عيسى [بن مريم] عليه السلام أمر النصارى أن يتخذوا يوم الجمعة عيداً فقالوا لا يكون عيدنا إلا بعد عيد اليهود فجعلوه الأحد. ويروى أن موسى عليه السلام قال لبني إسرائيل: تفرغوا لله في سبعة أيام في يوم تعبدونه ولا تعملون فيه شيئاً من أمور الدنيا، فاختاروا السبت فأمرهم موسى [صلى الله عليه وسلم] بالجمعة فأبوا إلا السبت، فجعله الله [عز وجل] عليهم.
ثم قال: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }.
أي: من هذه الأيام وفي استحلالهم للسبت.
ثم قال تعالى: { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ }.
أي: ادع يا محمد من أرسلت إليه إلى طاعة الله [عز وجل] والإقرار له بوحدانيته.
و "الحكمة" هنا: كتاب الله [سبحانه]. و "الموعظة الحسنة": العبر التي هي حجة عليهم مما ذكرهم به من الآيات في كتابه.
{ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: جادلهم بالمجادلة التي هي أحسن من غيرها، وهي الصفح عنهم.
وقال الزجاج: "الحكمة" هنا: النبوة / و "الموعظة": القرآن. { وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } غير فظ ولا غليظ القلب، أي: ألن لهم جناحك، وهي منسوخة عند جماعة من العلماء نسخها الأمر بالقتال.
وقيل: هي محكمة غير منسوخة، ومعناه: الانتهاء إلى ما أمر الله [عز وجل] به، وهذا لا ينسخ.
ثم قال: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ }.
أي: بما حاد عن طريق الهدى من المختلفين في السبت وغيره.
{ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي: بمن يسلك الطريق المستقيم.