خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
١
يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ
٢
خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٣
خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ
٤
-النحل

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله [تعالى] { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } إلى قوله { خَصِيمٌ مُّبِينٌ }.
ومعنى أتى أمر الله: يأتي. ولا يحسن عند سيبويه في أخبار الناس وما يجري بينهم: فَعَل بمعنى يَفعل إلا في الشرط.
وقيل: إنما أتى بالماضي لأنه أمر سيكون لا بد منه، فأتى فيه بالماضي الذي قد كان في موضع ما سيكون.
وقيل: إنما جاء كذلك لأنهم استبعدوا ما وعدهم الله من عذاب، فأتى بالماضي في موضع المستقبل لقربه من الإتيان، ولصدق المخبر به.
وقد قال الضحاك: { أَمْرُ ٱللَّهِ }: فرائضه وحدوده وأحكامه.
وقيل: هو وعيد من الله لأهل الشرك على ما تقدم.
قال ابن جريج: لما نزلت { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } الآية، قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن أمر الله قد أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن. فلما رأوا أنه لا ينزل شيئاً، قالوا: ما نراه ينزل شيئاً، فنزلت [الآية]:
{ { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [الأنبياء: 1] الآية. فقالوا: إن هذا يزعم مثلها أيضاً. فلما رأوا ألاّ ينزل شيئاً، قالوا: ما نراه ينزل شيئاً فنزلت { { [وَ]لَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ [لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ] } [هود: 8] الآية. وروي عن الضحاك { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } يعني القرآن: أي أتى بفرائضه وحدوده وأحكامه، وهو القول الأول عنه.
وقيل: أمر الله نصر النبي عليه السلام. وقيل هو يوم القيامة.
وقال الزجاج: { أَمْرُ ٱللَّهِ } ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم بمنزلة قوله:
{ { حَتَّىٰ [إِذَا] جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } [هود: 40] وقوله: { أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً } [يونس: 24]. ومعناه: أنهم استبطأوا العذاب فأخبرهم الله بقربه.
ويدل على أنه وعيد وتهدد للمشركين قوله بعد: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.
وأمر الله قديم غير محدث وغير مخلوق، بدلالة قوله:
{ { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [الأعراف: 54] فالأمر غير الخلق. وبدلالة قوله: { { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [الروم: 4] أي: من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء، فهو / غير محدث. وأمره صفة له هو كلامه غير مخلوق.
وقيل معنى: { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي أتت أشراط الساعة، وما يدل على قرب القيامة. وقيل: هو قيام الساعة. وقيل: هو جواب لقولهم بمكة:
{ { [فَأَمْطِرْ] عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال: 32] الآية.
ثم قال [تعالى]: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.
من قرأ: { يُشْرِكُونَ } بالتاء جعل الاستعجال للمشركين. ومن قرأ بالياء جعل الاستعجال لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم قال تعالى: { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ }. أي: ينزل الملائكة بالوحي من أمره { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي: عليه السلام على المرسلين بأن ينذروا العباد بأن لا إله إلا أنا.
وقيل: "من" بمعنى الباء. أي: بالروح [بأمره]، أي بالوحي بأمره. فالباء متعلقة بينزل.
وقال قتادة: المعنى ينزل الملائكة بالرحمة والوحي من أمره على من اختار من خلقه لرسالته لينذر الناس. لينذر [بـ]ـأن لا إله إلا الله فاعبدوه.
وقال الربيع بن أنس: كل شيء تكلم به ربنا فهو روح منه، ومنه قوله: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا }.
وعن ابن عباس، أيضاً، أنه قال: الروح خلق من خلق الله، وأمر من أمره صوره على صورة آدم لا ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد منهم. وقال الحسن: { بِٱلْرُّوحِ }: بالنبوة.
وقال الزجاج: الروح ما كان فيه من أمر الله حياة للقلوب، بالإرشاد، إلى أمر الله [عز وجل].
{ فَٱتَّقُونِ }.
أي: فأطيعوا أمري، واجتنبوا معصيتي.
ووقع الإنذار في هذا الموضع في غير موضعه. وأصله أن يقع تنبيهاً وتحذيراً مما يخاف منه. وضده البشرى. وليس لا إله إلا الله مما يخاف منه ويحذر. ولكن في الكلام معنى النهي عما كانوا عليه من عبادة غير الله [سبحانه]، فحسن الاتيان به مع ما لا يخاف منه، ولا يحذر. ودل على ذلك قوله: { فَٱتَّقُونِ } وقوله بعد ذلك: { عَمَّا يُشْرِكُونَ }.
ثم قال تعالى: { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ }.
أي: من خلق هذا وابتدعه، فلا تصلح الألوهية إلا له. ومعنى { بِٱلْحَقِّ }: بالعدل، أي: للعدل. وقيل: { بِٱلْحَقِّ } بقوله: كن فكانتا { بِٱلْحَقِّ }. فالحق كناية عن قوله: "كن". والقول الأول أبين.
ثم قال: { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } أي: خلق الإنسان من ماء مهين، وصوره ونقله من حال إلى حال، وأخرجه إلى ضياء الدنيا وغذاه ورزقه وقواه. حتى إذا استوى، كفر بخالقه وجحد نعمته وعبد ما لا يضره و [ما] لا ينفعه وخاصم الله [سبحانه] في قدرته [جلت عظمته]، فقال:
{ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [يس: 78] ونسي خلقه، وانتقاله من ماء إلى علقة إلى مضغة إلى عظم إلى تصوير إلى خروج إلى الدنيا، وضعف إلى قوة [وضعف] بعد قوة.
ومعنى { مُّبِينٌ } أي: مبين عن خصومته بمنطقه، ومجادل بلسانه. والإنسان هنا جميع الناس. وقيل: عني به أبي بن خلف، ثم هو عام فـ[ـيـ[ـمن كان مثله.