خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً
١٧
مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً
١٨
وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً
١٩
كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً
٢٠
ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً
٢١
-الإسراء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } إلى قوله { وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }.
هذه الآية فيها تهدد ووعيد لمشركي قريش أن يحل بهم من الهلاك مثل ما حل بالأمم الماضية بعد نوح من الأهلاك بذنوبهم.
ثم قال تعالى: { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً }.
أي: حسبك يا محمد بعلم ربك وإحصائه لذنوب عباده.
والقرن عشرون ومائة سنة. وقيل مائة سنة. وقيل: أربعون سنة.
ودخلت الباء في "كفى بربك" و "كفى بالله" لأن في الكلام معنى المدح. فالباء تدل عليه. كما يقول: أكرم به رجلاً. وناهيك به صاحباً.
ثم قال تعالى: { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ }.
أي: من كان يعمل للدنيا وإياها يطلب ولا يوقن بمعاد ولا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ } من توسيع أو تقتير لمن نريد.
وقرئت "ما شاء" بالياء، على معنى: ما يشاء الله، أو على معنى: ما يشاء المعجل له ثم يقطره إلى جهنم يصلاها مدموماً مدحوراً.
وقال أبو إسحاق الفزاري: معناه: ما نشاء لمن نريد هلاكه. وقال ابن عباس: "مذموماً": ملوماً.
[ثم قال تعالى] { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ }.
أي: ومن أراد ثواب الآخرة وعمل لها عملها الذي هو طاعة الله "وهو مؤمن" أي: مصدق بثواب الله [سبحانه] وعقابه [عز وجل] { فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } وشكر الله [عز وجل] إياهم على سعيهم، حسن جزائه [تعالى] لهم على أعمالهم وتجاوزه عن سيئاتهم.
ثم قال: { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ }.
"كلا" منصوب بنمد و "هؤلاء" / بدل من كل. والمعنى: أن الله [عز وجل] يرزق كلا: الذين يريدون العاجلة، والذين يريدون الآخرة من عطائه إلى بلوغ أجل الفريقين. ثم تفترق بهما الأحوال بعد الممات. وتفترق بهم الورود يوم القيامة. فمن أراد العاجلة فإلى جهنم يرد ومن [أراد] الآخرة فإلى الجنة يرد.
ثم قال: { وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً }.
أي: ممنوعاً عمن بسطه الله [عز وجل] عليه، قال قتادة: محظوراً منقوصاً. وقال في معنى الآية: إن الله [عز وجل] قسم الدنيا بين البر والفاجر: والآخرة خصوصاً عند ربك للمتقين.
ومثل هذه الآية في معناها على قول قتادة:
{ { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [الأعراف: 32] أي: يشترك في الدنيا في الطيبات البر والفاجر. و [الآخرة خصوصاً عند ربك للمتقين، أي]: تخص الآخرة للمؤمنين.
ثم قال تعالى: { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }.
والمعنى: انظر يا محمد كيف هدينا أحد الفريقين إلى السبيل الأرشد، ووفقناه إلى الحق. وخذلنا الفريق الآخر فأضللناه عن الحق، { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } إذ ينصرف فريق إلى النعيم المقيم، وفريق إلى عذاب جهنم لا يفتر عنهم أبداً.
وقيل: { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ } في أهل الجنة يتفاوتون في المنازل فيها، منهم من يعلو على بعض في النعيم والدرجات على قدر منازلهم وأعمالهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم
"بين أعلى أهل الجنة وأسفلهم درجة كالنجم يرى في مشارق الأرض ومغاربها" قال الضحاك: من كان من أهل الجنة عالياً رأى فضله على من هو أسفل منه ومن كان دونه لم ير أن أحداً فوقه أفضل منه.