خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً
٨٩
وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً
٩٠
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً
٩١
أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً
٩٢
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً
٩٣
-الإسراء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } إلى قوله: { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }.
أي: ولقد بينا للناس في هذا القرآن من كل مثل تذكيراً لهم واحتجاجاً عليهم وتنبيهاً لهم على الحق { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } أي إلا جحوداً للحق.
ثم قال تعالى: { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً }.
أي: قال المشركون من قومك يا محمد لن نصدقك حتى تفجر لنا من أرضنا هذه عيناً تنبع بالماء لنا. قاله مجاهد وقتادة. { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ } أي بأرضنا هذه { [فَتُفَجِّرَ ٱلأَ]نْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } أي: خلال النخيل والكروم أي بينها في أصولها.
{ أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً } أي: قطعاً. لأنه جمع كسفة وهي القطعة. ومن قرأ بإسكان السين أراد قطعة واحدة. ويحتمل أن يكون مسكناً من الفتح فيكون معناه مثل معنى قراءة من فتح السين.
ثم قال: { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً }.
أي: قبيلا [قبيلا]، كل قبيلة على حدتها قاله مجاهد. وقال قتادة "قبيلاً" أي: نعاينهم: يقابلونا. ونقابلهم. وقاله ابن جريج.
وقال القتبي: "قبيلاً" [أي] ضميناً. أي يضمنون لنا إتيانك بذلك. وهو أحد قولي أبي إسحاق. يقال قد تقبل بهذا، أي تكفل به.
ثم قال: { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ }.
أي من ذهب، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة. قال مجاهد: كنا لا ندري ما الزخرف حتى قرأنا[ه] في مصحف ابن مسعود "أو يكون لك بيت من ذهب".
وأصل الزخرف في اللغة الزينة ومنه قوله:
{ { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا } [يونس: 24] أي أخذت كمال زينتها ولا شيء أحسن في البيت من زينة الذهب.
ثم قال: { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ }.
أي: تصعد في درج السماء. ولهذا الإضمار، أتى بـ "في" ولو لم يكن ثم إضمار لكان "إلى السماء" ففي: يدل على المحذوف. أي أو ترقي في سلم إلى السماء.
ثم قالوا: { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ }.
أي: لن نؤمن بك إذا صعدت إلى السماء { حَتَّى / تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ }. منشوراً: أي: كتاباً من عند الله عز وجل يأمرنا فيه باتباعك والإيمان بك. قال مجاهد: "كتاباً نقرؤه" أي: من رب العالمين، تصبح عند رأس كل رجل صحيفة يقرؤها.
ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام: قل لهم يا محمد: { سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }.
أي: قل لهم براءة لله من سوء ما تقولون، وتعظيماً له من [أن] يؤتى به وبملائكته أن يكون له سبيل إلى شيء من ذلك هل أنا إلا بشر أي: عبد من عبيده من بني آدم فكيف أقدر على ما تكلفوني. وقوله: "رسولاً" أي: أرسلت لأبلغكم عن الله أمره ونهيه.
وكان هذا الكلام فيما رُوِيَ: جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ملأ[من] قريش اجتمعوا للمناظرة فتكلموا بما نصه الله عز وجل في هذه الآية عنهم. وذكر ابن عباس في ذلك: خبراً طويلاً معناه: أنهم اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة وبعثوا في النبي عليه السلام فأتاهم طمعاً أن يكونوا قد ظهر لهم اتباعه فعذلوه وأكثروا في اللوم والعتب [وطولوا]. قالوا له: إنك فرقت جمعنا، وعيبت ديننا، وسفهت أحلامنا، وما بقي قبيح إلا جئته فينا، أو كما قالوا، ثم قالوا [له]: إن كنت تحب مالاً جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن أردت الشرف سودناك علينا. وإن أردت الملك، ملكناك علينا... في كلام طويل عاتبوه به وعددوا عليه فيه، ووعدوه، واستنزلوه، طمعاً أن يميل إليهم. ثم قالوا له: فإن لم تفعل ما قلنا لك فاسأل ربك يبعث ملكاً يصدقك بما تقول، أو فاسأله أن يجعل لك جنة وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك تبتغي. فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه. فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من قولهم، وقال: "إنما أنا بشر بعثت إليكم نذيراً لتؤمنوا بالله وكتابه" فقالوا له فاسقط السماء علينا، كما زعمت، إن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك"، ثم أطالوا الكلام معه، وقالوا [له] إنما يعلمك ما جئت به رجل باليمامة يقال له الرحمن، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبداً، وادّعوا أنهم يعبدون الملائكة، وهن بنات الله - تعالى الله عن ذلك - فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام [معه] ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب، وهو عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي، فقال له: يا محمد أعَرَض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم من العذاب فوالله لا أؤمن بك أبداً، حتى تتخذ إلى السماء سلماً ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة، معك أربعة أملاك يشهدون لك إنك ما تقول حق وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك. وهذا معنى قوله:
{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ / بِأَيْدِيهِمْ } [الأنعام: 7] الآية.
وروى أن عبد الله بن [أبي] أمية قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لن نؤمن لك حتى تنزل علي كتاباً من السماء فيه من الله رب العالمين إلى ابن أمية، إني قد أرسلت محمداً [نبياً] فآمن به وصدقه. والله لو أتيتني بهذا الكتاب ما آمنت بك ولا صدقتك ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزيناً لما فاته مما كان طمع به من إيمان قومه حين دعوه.