خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً
٧٤
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
٧٥
قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً
٧٦
فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً
٧٧
-الكهف

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ } إلى قوله: { لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }.
المعنى: فانطلق موسى والخضر يسيران حتى لقيا غلاماً فقتله] الخضر. قال: ابن جبير: وجد الخضر غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً ظريفاً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين. قيل كان اسمه جيسور. قال: له موسى { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } أي بريئة. وقيل معناها ليس لها إليك ذنب، قاله اليزيدي. وعن ابن عمر: "زاكية" صالحة. وعنه "زاكية" لا ذنب لها.
فأما من قرأ "زكية" بغير ألف، فقال: ابن عباس وقتادة: الزكية التائبة. وقال: ابن جبير: الزكية التي لم تبلغ الخطايا. وقال قطرب: زكية مطهرة. وقال: الكسائي والفراء هما لغتان. ومعناه عندهما لم يجن جناية.
وقوله: { بِغَيْرِ نَفْسٍ }.
أي: بغير قصاص نفس قتلت فيلزمها القصاص قوداً بها.
وهذا المعنى يدل على أن الذي قتله الخضر لم يكن طفلاً بل كان بالغاً. لأن القود بالنفس لا يكون إلا بعد البلوغ.
ثم قال: { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً }
أي: لقد فعلت فعلاً منكراً.
قال: بعض أهل اللغة "الإمر: أشد من "النكر" لأن الأمر إنما / يستعمل في الشيء العظيم. فلما كان هلاك جماعة في خرق السفينة قال: "امراً" وقال: هنا "نكرا" لأنه قتل واحداً وقتل الجماعة أعظم من قتل واحد. وروي عن قتادة أنه قال: النكر أشد من الأمر.
وقيل معناه: لقد جئت شيئاً أنكر من الأول.
قال له الخضر { أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }.
أي: لا تقدر أن تصبر على ما ترى من أحوالي وأفعالي التي لم تحط بها خبراً. وإنما كرر المخاطبة الخضر في المرة الثانية لموسى [صلى الله عليه وسلم] لأن الإنسان إذا أذنب ثانية كان اللوم عليه آكد من ذنبه أولاً. فلما أنكر موسى على الخضر خرقه السفينة وبخه الخضر توبيخاً لطيفاً إذ لم يتقدم لموسى ذنب. فقال: { أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } فاعتذر موسى بأنه نسي الشرط الذي اشـ[ـتـ]ـرط عليه الخضر. فلما عاد موسى إلى الإنكار في قتل الغلام زاد الخضر في توبيخه لعوده لبعض ما اشترط عليه فكرر الخطاب ليكون أبلغ في التوبيخ فقال: { أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } فكرر المخاطبة في الثاني لعودة العلة. فقال: له موسى: { إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي } أي: تتابعني أي فارقني { قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } أي: بلغت العذر في شأني.
وروى أبي بن كعب أن النبي عليه السلام قال:
"يرحمنا الله وإياه يعني موسى، لو صبر لرأى عجباً" ، وقال: لما قرأ هذه الآية: "استحيى نبي الله موسى" .
ثم قال: تعالى: { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا }.
أي: فانطلق موسى والخضر يسيران حتى إذا جاءا أهل قرية { ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا } أي: سألاهما أن يطعموهما من الطعام. فابوا، فاستضافوهم فأبوا.
يقال: ضيفت الرجل إذا انزلته منزلة الاضياف. وأضفته أنزلته. وضيفته نزلت عليه، مشتق من ضاف السهم أي مال.
وضافت الشمس إذا مالت للغروب. ومنه قولهم هو مخفوض بالاضافة [أي] بإضافة الاسم إليه.
ثم قال: { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } أي يسقط بسرعة.
وقرأ يحيى بن يعمر "يريد أن ينقاص" بالصاد غير معجمة، أي ينقطع من أصله وينصدع.
وقيل معناه: ينشق طولاً. يقال: انقاصت سنه إذا انشقت
ويقال: إن القرية انطاكية.
قال: الكسائي: إرادة الجدار هنا ميله، لأن الأموات لا تريد. كما قال: النبي عليه السلام لا "ترى نارهما" أي لا يكون بموضع لو وقف فيه إنسان لرأى النار الآخر.
إن النار لا ترى منه. وقوله:
{ { وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [الأعراف: 198].
وقال: أبو عبيدة: ليس للحائط إرادة ولكن إذا كان في هذه الحال فهو من دنيه فهو إرادته.
وقيل: إنما كلم القوم بما كانوا يعقلون ويستعملون فلما دنا الحائط من الانقضاض جاز أن يقول { يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } وقد قال: الشاعر:

يُرِيدُ الرمحُ صدرَ أبي براءويَرْغَبُ عن دِمَاءِ بَنِي تميم

وقال: آخر:

يَشْكُو إلي جملي طول السَّرىصبراً جميلى فكلانا مبتلى /

وقال: آخر وهو عنترة:

فازوزَّ مِنْ وقع القَنَا بَلْبَانهوشكا إلي بَعَبْرة وتَحَمْحُم.

وقوله: { فَأَقَامَهُ }
قال: ابن عباس هدمه ثم قعد يبنيه. وعنه أنه قال: رفع الجدار بيده فاستقام. وقال: مرة أخرى: مسحه بيده فاستقام.
قال: له موسى { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } أي لو شئت لم تقم لهؤلاء القوم جدارهم حتى يعطوك على إقامته أجراً. قيل عني موسى بالأجر هنا الضيافة، أي حتى يبرونا.
و { لَتَّخَذْتَ } على قراءة الجماعة هو افتعلت من "تخذ" لكن أدغمت التاء التي هي فاء الفعل الأصلية بالافتعال. ويجوز أن يكون افتعلت من "أخذ" وأصله "أيتخذ". ثم أبدل من الياء التي هي عوض من الهمزة التي هي فاء الفعل فأدغمت في تاء الافتعال.
فأما قراءة أبي عمرو وابن كثير فإنه من: تخذ يتخذ مثل شرب يشرب.
قال: ابن سيرين: القرية التي أتوها "الآيلة" وهي أبعد الأرض من السماء.