خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَتْبَعَ سَبَباً
٨٥
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
٨٦
قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً
٨٧
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً
٨٨
-الكهف

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قال: الله تعالى ذكره: { فَأَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } إلى قوله: { مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً }.
من خفف "أَتْبَع" وقطع الألف جعله من: اتبع، إذا سار ولم يلحق المتبوع في خير أو شر، حكاه الأصمعي. ومن وصل الألف و [شدد] جعله من اتبعه، إذا لحقه. ومن الأول
{ { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } [الشعراء: 60].
وقيل: هما لغتان بمعنى، يقع بهما اللحاق وقد لا يقع، وهو الصواب إن شاء الله لقوله
{ { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } [الأعراف: 175] فلو لم يلحقه ما غوى، ولقوله { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [الصافات: 10] فهذا قد يلحقه وقد لا يلحقه.
ومعنى { سَبَباً } في هذا الموضع طريقاً ومنزلاً. قاله ابن عباس. وقال: مجاهد: منزلاً وطريقاً بين المشرق والمغرب. وقال: قتادة: اتبع منازل الأرض ومعالمها. وقال: الضحاك { سَبَباً } المنازل. وقال: ابن زيد: هذه الآن الطريق كما قال: فرعون
{ { لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ } [غافر: 36] أي: الطرق إلى السماوات.
ثم قال: { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ }.
قال: ابن عباس: في طين أسود حمأ، وقاله عطاء. وقال: مجاهد في طينة سوداء ثأط. وهي فَعلَة من قولهم: حمأت البير تحمى حمأة. وهي الطين المنتن المتغير اللون والطعم.
ومن قرأ "حامية" فمعناه حارة، ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت فقال:
"في نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله جل ذكره. لأحرقت ما على وجه الأرض" .
وقال أبو ذر: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار، والشمس عند غروبها. فقال: "يا أبا ذر هل تدري أين تغرب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: إنها تغرب في عين حامية" .
فهذا حجة لمن قرأها كذلك. ويجوز ان يكون بمعنى حمئة أي ذات حماة ولكن خففت الهمزة فأبدلوا منها ياء لانكسار ما قبلها.
وقال: أبو حاضر: سمعت ابن عباس يقول: كنت عند معاوية فقرأ: { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } فقلت: ما أقرأها إلا "حمئة" فقال: لعبد الله بن عمر: كيف تقرأها يا عبد الله بن عمر؟ فقال: كما قرأتها يا أمير المؤمنين. فقلت: في بيتي أنزل القرآن. فأرسل معاوية إلى كعب. فقال: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال: أما في العربية فأنتم أعلم بها، وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين وأشار بيده إلى المغرب.
فقال: أبو حاضر: فقلت لابن عباس: لو كنت عندك لرفدتك بكلمة تزداد بها بصيرة في "حمئة" وقال: ابن عباس: ما هي؟ قلت: فيما يؤثر من قول تُبع ذكر فيه ذو القرنين:

بَلَغَ المشارق والمغارب يبتغيأسباب أمر من حَكِيم مُرشد

قال: عمر[و] نحن نتبع.

فرأى مغارب الشمس عند غروبهافي عين ذي خُلُبٍ وَثَأْطٍ حَرْمِدِ

فقال: ابن عباس ما الخُلب؟ فقلت: الطين بكلامهم. وقال: ما الثأط؟ قلت الحمأة، قال: [وما] الحُرْمَد؟ قلت: الأسود يقال: حمئت البير صارت فيها الحمأة. واحمأتها: ألقيت فيها الحماة وحماتها إذا أخرجت منها الحماة.
وأجاز القتبي أن تكون هذه العين في البحر، والشمس تغيب وراءها.
ثم قال: { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً }.
أي: عند العين، قيل يقال: لهم تاسك.
{ قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ }، أي قال له أصحابه المؤمنون يا ذا القرنين إما أن تقتلهم وإما أن تستبقيهم.
وقيل المعنى إما أن تقتلهم إذ هم لم يدخلوا في الاقرار بتوحيد الله [عز وجل] وطاعته [جلت عظمته]، { وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }، أي: تأسرهم فتعلمهم الهدى وتبصرهم الرشاد.
و "إما" في هذا للتخيير عند المبرد بمنزلة قوله:
{ { فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } [المائدة: 42] و "ان" في قوله { إِمَّآ أَن } في موضع نصب. وقيل: موضع رفع على معنى أما هو.
ثم قال: { أَمَّا مَن ظَلَمَ } أي: من كفر ولم يؤمن { فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ } أي: نقتله، قاله قتادة { ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً }، أي: يرجع إلى ربه في الآخرة فيعذبه عذاباً نكراً من عذاب الدنيا وهو عذاب جهنم.
قال: علي بن سليمان { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } معناه: قلنا يا محمد قالوا يا ذا القرنين إما أن تعذب. ثم حذف القول، لأن ذا القرنين لم يصح أنه نبي فيخاطبه الله. ولأن بعده { أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً } وكيف يخاطب العبد ربه بلفظ الغيبة.
وهذا لا يلزم لأنه يجوز أن يكون خاطبه الله [عز وجل] على لسان نبي في وقته. فيكون تحقيق المعنى على ما قاله أبو إسحاق الزجاج: أن الله خيره بين القتل والاستبقاء، ثم قال: هؤلاء اولئك القوم مخبراً لهم عن حكمه فيهم: { أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ [ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ] } الآية.
ثم قال: { وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ }.
من رفع "جزاء" ولم ينون رفع بالابتداء وله الخبر، والحسنى في موضع خفض بالاضافة. ويجوز أن يكون الحسنى بدلاً من جزاء ويكون حذف التنوين من جزاء لالتقاء الساكنين.
وكذلك التقدير في قراءة من نون ورفع وهي رواية الأعمش عن أبي بكر. وبها قرأ ابن أبي إسحاق.
ومن نون ونصب جعله مصدراً. وقيل: هو مصدر في موضع الحال. وقيل: نصب على التمييز.
ومن نصب ولم ينون فعلى هذه التقديرات أيضاً إلا أنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين وهي قراءة ابن عباس ومسروق.
ومعنى الآية: وأما من صدق الله [عز وجل]، وعمل بطاعته [سبحانه] فله عند الله الحسنى وهي الجنة، { جَزَآءً } أي: ثواباً على إيمانه.
ومعنى { جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ } في قراءة من أضاف، أن الحسنى الجنة، ولكن جعله مثل
{ { دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } [البينة: 5] { { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } [يوسف: 109].
وقوله: { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً }.
أي: قولاً جميلاً. وقيل: المعنى وسنعلمه نحن في الدنيا ما تيسر له تعليمه مما يقربه إلى الله [سبحانه] ونلين له من القول. وقال مجاهد: "يسراً" معروفاً.