خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً
٤٦
قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً
٤٧
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً
٤٨
فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً
٤٩
وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً
٥٠
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً
٥١
وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً
٥٢
وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً
٥٣
-مريم

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى ذكره: قال { أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ } إلى قوله { أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً }. أي: قال أبوه له حين دعاه إلى الإيمان وترك عبادة الشيطان، أراغب أنت عن عبادة آلهتي يا إبراهيم. { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ } عن ذكر آلهتي بالسوء ورغبتك عن عبادتها لأرجمنك" أي: لأسبنك، قاله قتادة والسدي وابن جريح.
وقيل معناه: لأقتلنك.
وقيل معناه: لأرجمنك بالحجارة.
ثم قال: { وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } أي: واهجرني يا إبراهيم حيناً طويلاً. قاله: مجاهد والحسن وعكرمة. فـ "ملياً" ظرف.
وقال ابن عباس: معناه: واهجرني سالماً من عقوبتي إياك، وقاله: قتادة والضحاك.
فـ "ملياً" على هذا نصب على الحال من إبراهيم، واختار الطبري هذا القول، واختار النحاس القول الأول.
و "أراغب" رفع بالابتداء، و "أنت" فاعل سد مسد الخبر، ويجوز أن يكون "أنت" مبتدأ، و "أراغب" خبره مقدم عليه، وحسن رفع "أراغب" بالابتداء لاعتماد على ألف الاستفهام الذي معناه التقرير.
ثم قال تعالى: { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ }. أي: قال إبراهيم لأبيه حين توعده، وامتنع من الإيمان بما جاء به: سلام عليك" أي: أمنة مني لك أن أعاودك فيما كرهت، ولكن سأستغفر لك ربي أي: أسأل لك ربي أن يستر عليك ذنوبك { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } أي: إن ربي عهدته / بي لطيفاً، يجيب دعائي إذا دعوته.
قال ابن عباس وابن زيد: "حفيّاً" لطيفاً يقال حفي به إذا بره ولطف به.
قال السدي: { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ } أخره إلى السحر.
{ يٰإِبْرَاهِيمُ } تمام عند نافع. وإن شئت ابتدأت يا إبراهيم.
و "سلام عليك" تمام عند أبي حاتم. و "لك ربي" عند غيره التمام.
ثم قال تعالى: { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ }. أي: وأجتنبكم وعبادة ما تدعون [من دون الله] من أوثانكم وأصنامكم. و { وَأَدْعُواْ رَبِّي } بإخلاص العبادة له { عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } أي: عسى أن لا أشقى بدعاء ربي.
ثم قال تعالى: { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ }. أي: فحين اعتزل إبراهيم قومه وعباده ما يعبدون من دون الله. { وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } أي: آنسنا وحشته لما فارق قومه، فوهبنا له إسحاق، وابنه يعقوب.
{ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً }.
أي: وإبراهيم وإسحاق ويعقوب، جعلناهم أنبياء.
روي أنه خرج عنهم إلى ناحية الشام بإذن الله له.
ثم قال: { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا }.
أي: ووهبنا لجميعهم من رحمتنا. وهو ما بسط لهم من الرزق في الدنيا.
{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } أي: ورزقناهم الثناء الحسن والذكر الجميل من الناس إلى قيام الساعة.
قوله: "ويعقوب" وقف. و "نبيئاً" أحسن منه و "علياً" أحسن منهما.
ثم قال تعالى: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً }.
أي: واقصص على قومك يا محمد نبأ موسى، إنه كان مخلصاً لله عبادته وأعماله كلها. هذه على قراءة من كسر "اللام" في "مخلصاً" ومن فتحها فمعناه: إنه كان مختاراً اختاره الله لكلامه ورسالته.
{ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } أي: أرسله الله إلى بني إسرائيل، وتنبأه.
ثم قال تعالى: { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ } أي: وكلمناه من جانب الجبل الأيمن، قاله قتادة.
وقال الطبري: يعني بالأيمن هنا: يمين موسى، لأن الجبل لا يمين له ولا شمال.
{ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً }، أي: وأدنيناه مناجياً.
قال ابن عباس: إن الله عز وجل أدناه حتى سمع صريف القلم.
وقال أبو صالح: قربه حتى سمع صريف القلم.
وعن مجاهد في معنى { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } قال: بين السماء الرابعة أو قال السادسة وبين العرش سبعون ألف حجاب، حجاب نور وحجاب ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة، فما زال يقرب موسى حتى كان بينه وبينه حجاب وسمع صريف القلم، وقال: أرني أنظر إليك.
وقال قتادة: { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } (نجا بصدقه).
وقيل معناه: قربناه في الكرامة والرفعة في منزلة رفيعة، لأن الله تعالى ذكره وجلّ ثناؤه ليس بمحدود، فيكون بعض الأجسام أقرب إليه من بعض. فهو كلام فيه توسع. فقد يقرب الرجل عبده بإكرامه له، وإن بعد منه ويبعد عبده الآخر بإهانته له وإن قرب مكانه منه، فذلك شائع في اللغة.
والمعنى: إنا رفعنا قدره بكلامنا له.
ثم قال تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً }.
أي: وهبنا لموسى - رحمة منا له - أخاه هارون نبياً. أي: أيدناه بنبوته.
قال ابن عباس: كان هارون أكبر من موسى، ولكن أراد أنه وهب له نبوته.