خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ
١٦٥
إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ
١٦٦
وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ
١٦٧
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
١٦٨
إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
١٦٩
-البقرة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً } إلى قوله: { مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.
أي: ومن الناس من يعبد آلهة / وأصناماً من دون الله، يحبون الأصنام كحبهم لله. أي يُسوّون بين الله وبين الأصنام في المحبة، والمؤمنون أشد حباً لله من الكفار لآلهتهم.
وجاءت الهاء والميم للأصنام وهي لا تعقل لأنها كانت عندهم ممن يعقل ويفهم، فخوطبوا على ما كان في ظنهم فأجريت مجرى من يعقل بالهاء والميم.
قال ابن مسعود: "قال رسول الله [عليه السلام]:
"مَنْ مَاتَ يَجْعَلُ لله نِداً، أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ" ، وأنا أقول: "من مات لا يجعل لله نداً، أدخله الله الجنة".
وقيل: المعنى: يحبون الأصنام كحبكم أنتم الله، وأنتم أشد حباً لله من الكفار لآلهتهم.
وقيل: جاء ضمير الأصنام بالهاء والميم، وهي لا تعقل لأنهم لما عبدوها أنزلوها منزلة من يعقل.
وقال السدي: "الأنداد هنا ساداتهم الذين كانوا يطيعونهم كما يطيعون الله.
ثم قال: { وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ }.
أي: ولو ترى يا محمد الذين كفروا وظلموا أنفسهم حين يرون عذاب الله لرأيت أمراً عظيماً، ولعلمت أن القوة لله جميعاً.
فجواب "لو" محذوف، وفتح "أن" على تقدير فعل محذوف وهو جواب "لو".
وقيل: إن "أنْ" فتحت بـ "تَرَى". وهو قول المبرد والأخفش.
و "ترى" بمعنى تعلم، التقدير: "ولو يعلم الذين ظلموا جميعاً لتبينوا ضرر اتخاذهم الآلهة دون الله". وهذا إنما يكون على قراءة من قرأ بالياء.
وقيل: معنى: "ترى" تنظر، وأن التقدير: ولو تنظر يا محمد الذين ظلموا حين يرون العذاب لأقروا أن القوة لله.
وقيل: فتحت "إن" على تقدير اللام أي: لأن القوة لله، والجواب أيضاً محذوف تقديره: لعلموا مبلغ عذاب الله ونحوه.
ومن كسر "إِنّ" كسرها على الابتداء، وجواب "لو" محذوف أيضاً.
وقيل: إنَّ كسرَها على إضمار القول أي: "يَقولونَ: إِنَّ القُوَّةَ للهِ".
ثم قال تعالى: { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ }.
والمعنى: وإِن الله شديد العذاب حين تبرأ الذين اتُّبعوا - وهم سادات الكفار وأهل الرأي منهم الجبابرة - من الذين اتَّبعوا - وهم أتباع السادات.
{ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ }: أي: ورأى الجميع / عذاب الله وذلك كله في القيامة.
{ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ }.
يعني القرابات التي كانت بينهم في الدنيا والصداقات فلم ينتفعوا. هذا قول قتادة وعطاء والربيع.
والهاء في "بِهِمْ" ترجع على التابعين والمتبوعين. وكذلك الهاء في "يُرِيهِمْ" و "أعْمالِهمْ".
وقال السدي: "الذين اتبعوا هم / الشياطين تبرأُوا في القيامة ممن اتبعهم من الإنس".
وقيل: الآية عامة في كل من اتبع على شرك تبرأوا في الآخرة ممن اتبعهم.
قال مجاهد: "الأسباب: الوصايل والمودة". وقاله ابن عباس.
قال قتادة: "صارت مواصلتهم في الدنيا عداوة يوم القيامة".
قال تعالى ذكره:
{ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [العنكبوت: 25].
وقال:
{ ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67].
وعن ابن عباس أيضاً: "أن الأسباب هي المنازل التي كانت لهم من أهل الدنيا". وعنه أيضاً: "الأسباب: الأرحام".
وقال السدي: "الأسباب الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا". وقاله ابن زيد.
{ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ }: أعمال أهل التقوى.
وقيل: أعطوا [أسباب أعمالهم السيئة، وتقطعت بهم أسباب] أعمال أهل التقوى. وأصل "السبب" الحبل يتعلق به إلى الحاجة التي لا يوصل إليها إلا بالتعلق، ثم يقال لكل ما هو سبب إلى حاجة: سبب وإن لم يكن حبلاً.
ثم قال تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ }.
أي: وقال الأتباع: لو أن لنا رجعة إلى الدنيا فنبرأ من هؤلاء القادة الجبابرة الذين اتبعناهم في الدنيا على الشرك كما تبرأوا منا الآن.
ثم قال { كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ } /.
أي: كما أراهم الله العذاب وتبرأ بعضهم من بعض كذلك يريهم / أعمالهم حسرات عليهم: أي ندامات.
والمعنى: كذلك يريهم الله عذاب أعمالهم السيئة ليتحسروا على عملها. قاله الربيع وابن زيد. وهو اختيار الطبري.
وقيل: المعنى: كذلك يريهم الله ثواب أعمالهم التي افترضها الله عليهم في / الدنيا فضيعوها، ولم يعملوا بها ليتحسروا على تركها.
قال السدي: "يرفع الله لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها لو أنهم أطاعوا الله، فيقال لهم: تلك مساكنكم لو أطعتم الله، ثم تقسم بين المؤمنين فيريهم الله ذلك، فذلك حين يندمون". وقال ابن مسعود: "ليس من نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار وهو يوم الحسرة؛ فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة فيقال لهم: لو عملتم، فتأخذهم الحسرة. ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار، فيقال لهم: لولا أن الله مَنَّ عليكم".
فالمعنى على هذا: كذلك يريهم الله ثواب أعمالهم التي كانت / تلزمهم في الدنيا فتركوها وضيعوها حسرات عليهم.
والحسرة في اللغة: أشد الندامة.
ثم قال: { وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ }.
أي: ليسوا يخرجون من النار أبداً، يعني به القوم الذين تقدمت صفتهم وتبرأ بعضهم من بعض، وتمنى بعضهم الرجعة إلى الدنيا. وهذه الآية تدل على فساد قول من زعم أن عذاب الله عز وجل للكفار له نهاية.
وقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً }.
أي: كلوا مما أحل الله لكم من الأطعمة على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: / { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ }.
قال ابن عباس: "خطواته: عمله".
وقال مجاهد: "خطاياه". وهو قول قتادة والضحاك وابن زيد. أي: خطاياه التي يأمر بها ويدعو إليها.
وقال السدي: "خطوات الشيطان: طاعته".
وقال أبو مجلز: "هي النذور في المعاصي".
قوله: { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }.
أي: ظاهر العداوة، فالمعنى: النهي عن اتباع ما يدعو إليه الشيطان مما هو خلاف لطاعة الله عز وجل.
ثم قال تعالى: { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ }.
أي بما يسوؤكم، ولا تسركم عاقبته.
{ وَٱلْفَحْشَآءِ }: أي: ما فحش ذكره مثل الزنا والكفر.
قال السدي: "السوء: المعصية، والفحشاء: الزنا".
ثم قال تعالى: { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }. أي ويأمركم أن تقولوا ذلك، وهو تحريم البحائر والسوائب والوصائل والحوام التي كانت أهل الجاهلية تحرمه، ولم يأمر الله بذلك.