تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله تعالى ذكره: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ } إلى آخر السورة.
أي: وأمر أهلك بالدوام على الصلاة، واصطبر على القيام عليها والإتيان بها بحدودها. { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } أي: أن ترزق نفسك ولا ترزق أحداً من العباد. وكان عمر رضي الله عنه إذا قام من الليل صلى، فإذا كان من السحر أيقظ أهله فقال: الصلاة الصلاة. وتأول هذه الآية، وامر أهلك بالصلاة... الآية.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله ضيق أو شدة، أمرهم بالصلاة ثم قرأ { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ }... الآية.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر يصلي.
وقال صلى الله عليه وسلم في رواية عثمان بن عفان عنه: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين غفر له" .
قال محمد بن كعب: وكنت إذا سمعت الحديث طلبت تصديقه في كتاب الله عز وجل، فطلبت تصديق هذا فوجدته في كتاب الله عز وجل في قوله: لنبيه { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } [الفتح: 1-2] فجعل تمام النعمة أن غفر له ذنبه، وقوله: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } [المائدة: 6] إلى قوله: { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 6] فعلمت حين جعل تمام النعمة على النبي صلى الله عليه وسلم المغفرة أنها هنا، مثل ذلك حين قال: وليتم نعمته عليكم فهو المغفرة.
ثم قال: { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ }.
أي: والعاقبة الصالحة من عمل كل عامل لأهل التقوى.
ثم قال تعالى: { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ }.
أي: وقال المشركون هلاّ يأتينا محمد بآية من ربه، كما أتى صالح قومه بالناقة من ربه، وعيسى بإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص.
ثم قال الله تعالى جواباً لهم: { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ }.
أي: ما في الكتب التي قبل هذا الكتاب من أخبار الأمم من قبلهم التي أهلكناهم لما سألوا الآيات. فكفروا بها لما أتتهم كيف عجلنا لهم العذاب.
فالمعنى: فما يؤمنهم إن أتتهم آية أن يكون حالهم كحال أولئك.
قال مجاهد: { مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ }: التوراة والإنجيل.
وقال قتادة: { ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } الكتب التي خلت من الأمم التي يمشون في مساكنهم.
ثم قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ }.
أي: ولو أنا أهلكنا هؤلاء المشركين الذين يكذبون بهذا القرآن بعذاب من قبل ننزله عليهم.
وقيل: من قبل أن نبعث داعياً يدعوهم إلى ما فرضنا عليهم. فالهاء تعود على القرآن، أو على النبي.
ثم قال: { لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً }.
أي: لقالوا يوم القيامة إذا وردوا على الله تعالى، فأراد عقابهم: ربنا هلاّ أرسلت إلينا رسولاً يدعونا إلى طاعتك فنتبع آياتك، أي: حججك وأدلتك وأمرك ونهيك من قبل أن تذل بتعذيبك لنا ونخزي بها.
روى الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يحتج على الله عز وجل يوم القيامة ثلاثة: الهالك في الفترة، والمغلوب على عقله، والصبي الصغير. فيقول المغلوب على عقله: لم يجعل لي عقلاً أنتفع به، ويقول الهالك: لم يأتني رسول ولا نبي، ولو أتاني لك رسول أو نبي لكنت أطوع خلقك لك، وقرأ { لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } ويقول الصغير: كنت صغيراً لا أعقل قال فترفع لهم النار فيقال لهم ردوها. قال: فيردها من كان في علم الله أنه سعيد، ويتلكأ عنها من كان في علم الله أنه شقي. فيقول: إياي عصيتم، فكيف برسلي لو أتتكم" .
ثم قال: { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ }.
أي قل يا محمد: كلكم أيها المشركون متربص، أي: منتظر دوائر الزمان، فتربصوا، أي: فترقبوا، وانتظروا { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ }.
أي: من أهل الطريق المعتدل المستقيم، أنحن أم أنتم؟.
{ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ }.
أي: وستعلمون حينئذ من المهتدي الذي هو على سنن الطريق القاصد، غير الجائر عن قصده منا ومنكم.
"ومن" استفهام في موضع رفع، / لا يعمل فيها ستعلمون.
وأجاز الفراء: أن تكون في موضع نصب بقوله: ستعلمون. بمنزلة { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } [البقرة: 220].
فإن جعلت "مَنْ" غير استفهام، جاز أن يعمل فيها ما قبلها.
وقرأ يحيى بن يعمر وعاصم الجحدري: "السَّوَّى" بتشديد الواو من غير همز على "فعلى" أراد السوأي. ثم سهل الهمزة على البدل والإدغام وأنثها لأن الصراط يؤنث، والتذكير فيه أكثر.