خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ
١٣٢
وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ
١٣٣
وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ
١٣٤
قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ
١٣٥
-طه

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى ذكره: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ } إلى آخر السورة.
أي: وأمر أهلك بالدوام على الصلاة، واصطبر على القيام عليها والإتيان بها بحدودها. { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } أي: أن ترزق نفسك ولا ترزق أحداً من العباد. وكان عمر رضي الله عنه إذا قام من الليل صلى، فإذا كان من السحر أيقظ أهله فقال: الصلاة الصلاة. وتأول هذه الآية، وامر أهلك بالصلاة... الآية.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله ضيق أو شدة، أمرهم بالصلاة ثم قرأ { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ }... الآية.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر يصلي.
وقال صلى الله عليه وسلم في رواية عثمان بن عفان عنه:
"من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين غفر له" .
قال محمد بن كعب: وكنت إذا سمعت الحديث طلبت تصديقه في كتاب الله عز وجل، فطلبت تصديق هذا فوجدته في كتاب الله عز وجل في قوله: لنبيه { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } [الفتح: 1-2] فجعل تمام النعمة أن غفر له ذنبه، وقوله: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } [المائدة: 6] إلى قوله: { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 6] فعلمت حين جعل تمام النعمة على النبي صلى الله عليه وسلم المغفرة أنها هنا، مثل ذلك حين قال: وليتم نعمته عليكم فهو المغفرة.
ثم قال: { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ }.
أي: والعاقبة الصالحة من عمل كل عامل لأهل التقوى.
ثم قال تعالى: { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ }.
أي: وقال المشركون هلاّ يأتينا محمد بآية من ربه، كما أتى صالح قومه بالناقة من ربه، وعيسى بإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص.
ثم قال الله تعالى جواباً لهم: { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ }.
أي: ما في الكتب التي قبل هذا الكتاب من أخبار الأمم من قبلهم التي أهلكناهم لما سألوا الآيات. فكفروا بها لما أتتهم كيف عجلنا لهم العذاب.
فالمعنى: فما يؤمنهم إن أتتهم آية أن يكون حالهم كحال أولئك.
قال مجاهد: { مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ }: التوراة والإنجيل.
وقال قتادة: { ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } الكتب التي خلت من الأمم التي يمشون في مساكنهم.
ثم قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ }.
أي: ولو أنا أهلكنا هؤلاء المشركين الذين يكذبون بهذا القرآن بعذاب من قبل ننزله عليهم.
وقيل: من قبل أن نبعث داعياً يدعوهم إلى ما فرضنا عليهم. فالهاء تعود على القرآن، أو على النبي.
ثم قال: { لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً }.
أي: لقالوا يوم القيامة إذا وردوا على الله تعالى، فأراد عقابهم: ربنا هلاّ أرسلت إلينا رسولاً يدعونا إلى طاعتك فنتبع آياتك، أي: حججك وأدلتك وأمرك ونهيك من قبل أن تذل بتعذيبك لنا ونخزي بها.
روى الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"يحتج على الله عز وجل يوم القيامة ثلاثة: الهالك في الفترة، والمغلوب على عقله، والصبي الصغير. فيقول المغلوب على عقله: لم يجعل لي عقلاً أنتفع به، ويقول الهالك: لم يأتني رسول ولا نبي، ولو أتاني لك رسول أو نبي لكنت أطوع خلقك لك، وقرأ { لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } ويقول الصغير: كنت صغيراً لا أعقل قال فترفع لهم النار فيقال لهم ردوها. قال: فيردها من كان في علم الله أنه سعيد، ويتلكأ عنها من كان في علم الله أنه شقي. فيقول: إياي عصيتم، فكيف برسلي لو أتتكم" .
ثم قال: { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ }.
أي قل يا محمد: كلكم أيها المشركون متربص، أي: منتظر دوائر الزمان، فتربصوا، أي: فترقبوا، وانتظروا { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ }.
أي: من أهل الطريق المعتدل المستقيم، أنحن أم أنتم؟.
{ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ }.
أي: وستعلمون حينئذ من المهتدي الذي هو على سنن الطريق القاصد، غير الجائر عن قصده منا ومنكم.
"ومن" استفهام في موضع رفع، / لا يعمل فيها ستعلمون.
وأجاز الفراء: أن تكون في موضع نصب بقوله: ستعلمون. بمنزلة
{ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } [البقرة: 220].
فإن جعلت "مَنْ" غير استفهام، جاز أن يعمل فيها ما قبلها.
وقرأ يحيى بن يعمر وعاصم الجحدري: "السَّوَّى" بتشديد الواو من غير همز على "فعلى" أراد السوأي. ثم سهل الهمزة على البدل والإدغام وأنثها لأن الصراط يؤنث، والتذكير فيه أكثر.