خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً
٥٣
وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً
٥٤
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً
٥٥
وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً
٥٦
قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً
٥٧
وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً
٥٨
ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً
٥٩
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً
٦٠
تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً
٦١
-الفرقان

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى ذكره: { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ }، إلى قوله: { وَقَمَراً مُّنِيراً }.
أي: والله الذي خلط البحرين الحلو والملح في رأي: العين، ومرج بمعنى خلط.
وقيل: معناه: خلى.
وقيل: معناه أدام ماء البحرين جعل إدامته الماء فيهما مرجاً وحبساً للماء، { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً }، قال مجاهد: محبساً.
وقال ابن زيد: ستراً.
{ وَحِجْراً مَّحْجُوراً } أي: منعاً لئلا يفسد العذب المالح، فبينهما حاجز من قدرة الله تعالى وجلّ ثناؤه.
ثم قال { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً }، أي: النطفة: خلق منها الإنسان { فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً }.
قال ابن عباس: النسب سبع وهي في قوله تعالى ذكره:
{ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ } [النساء: 23]، إلى { { وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ } [النساء: 23] والصهر سبع وهي في قوله: { وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ } [النساء: 23] إلى آخر ذكر الصهر.
وقال الضحاك: النسب: الأقرباء، والصهر ذوات الرضاع.
وقيل: النسب الذكور من الأولاد، والصهر: الإناث من الأولاد لأن المصاهرة من جهتهن تكون.
وقال الأصمعي: الختَن كل شيء من قبل المرأة مثل ابن المرأة وأخيها، والأصهار يجمع هذا كله يقال: صاهر فلان إليهم وأصهر.
وقال ابن الأعرابي: الأَختَان: أبو المرأة وأخوها وعمها، والصهر: زوج ابنة الرجل، وقرابته، وأصهاره: كل ذي محرم من زوجته.
وقيل: عني بقوله: { خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً }، آدم خلقه من الأرض التي أصلها مخلوقة من ماء. وقد أخبرنا الله جلّ ذكره أنه خلق جميع الحيوان من ماء: فقال:
{ { خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } وقال: { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [الأنبياء: 30].
ثم قال: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ }، أي: يعبد هؤلاء المشركون من دون الله ما لا يجلب لهم نفعاً، ولا يدفع عنهم ضرراً.
ثم قال تعالى: { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً }، أي: معيناً للشيطان على ربه مظاهراً له على معصيته.
قال ابن جريج: هو أبو جهل ظاهر الشيطان على ربه. وقاله ابن عباس.
وقال عكرمة: الكافر: إبليس وعن ابن عباس أن الكافر يستظهر بعبادة الأوثان على أوليائه. وعنه أنه قال: هو أبو جهل، كان عوناً لمن عادى الله ورسوله.
وقيل معناه: إن الكافر يستظهر بعبادته الأوثان، وبمن يعبدها معه من الكفار على الله عز وجل لأنهم يطمعون أن يغلبوا رسول الله صلى الله عليه [وسلم]، والكافر اسم لجنس جميع الكفار.
وقيل: معناه: وكان الكافر على ربه هيّنا، من قولهم ظهرت به، فلم ألتفت إليه، إذا جعلته خلف ظهرك فلم تلتفت إليه. فكأن الظهير أصله مفعول، ثم صرف إلى فعيل وهو قول أبي عبيدة.
ثم قال تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً }، أي: لم نرسلك يا محمد إلا لتبشر أهل الطاعة بالجنة، وتنذر أهل المعصية بالنار.
ثم قال { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ }، أي: ما أطلبكم على إنذاري لكم بأجر، فتقولون: إنما تطلب أموالنا فيما تدعونا إليه فلا نتبعك.
وقوله: { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً }، هو استثناء منقطع أي: من شاء منكم أن يتخذ إلى ربه طريقاً بإنفاقه من ماله في سبيل ربي، فتعطوني من أموالكم وما ينفقه في ذلك، فتتخذوا بذلك طريقاً إلى رحمة ربكم، وقيل ثوابه.
ثم قال تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ }، أي: توكل يا محمد على الحي الذي له الحياة الدائمة... { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ }، أي: واعبده شكراً منك له على نعمه / { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً }، أي: لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، و { خَبِيراً } أبلغ من خابر.
ثم قال تعالى: { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ }، أي: اخترع ذلك في ستة أيام، وقال: { وَمَا بَيْنَهُمَا }، فأتى بلفظ التثنية وقد تقدم ذكر جمع، لأنه أراد النوعين، والستة الأيام أولها يوم الأحد، وآخرها الجمعة. { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ }، وذلك يوم السبت فيما قيل، ولا يجوز أن يتوهم أحد في ذلك: جلوساً ولا حركة ولا نقلة، ولكنه استوى [على]، العرش كما شاء، لا يمثل ذلك، ولا يحد، ولا يظن له انتقال من مكان إلى مكان، لأن ذلك لمن صفة المحدثات. وقد قال تعالى ذكره:
{ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11] فلا يحل لأحد أن يمثل صفات ربه - الذي ليس كمثله شيء - بصفات المخلوقين الذين لهم أمثال وأشباه - فكما أنه تعالى لا يشبهه شيء، كذلك صفاته ليست كصفات المخلوقين. فالاستواء معلوم، والكيف لا نعلمه، فعلينا التسليم لذلك.
وقد قيل: استوى: استولى، والمعنى: ثم استولى بمقدرته على العرش، فرفعه فوق السماوات والأرض المخلوقة هي وما بينهما في ستة أيام، والعرش مخلوق بعد السماوات والأرض. ثم استولى بقدرته عليه، على عظمه، فرفعه فوق السماوات والأرض. والله أعلم بمراده في ذلك، فهذا موضع مشكل وإنما ذكرنا قول من تقدمنا لم نأت بشيء من عندنا في هذا وشبهه.
ثم قال: { ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً }، الرحمن مرفوع على البدل من المضمر في استوى أو على: هو الرحمن، أو على الابتداء والخبر: { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً }، ويجوز الخفض على النعت للحي، ويجوز النصب على المدح، ومعناه: فاسأل عنه خبيراً. الباء بمعنى: عن.
كما قال جلّ ذكره:
{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [المعارج: 1]، أي: عن عذاب، ومعناه عند الأخفش: فاسأل عن الرحمن أهل العلم يخبروك، فخبير مفعول للسؤال.
وقال علي بن سليمان: الباء على بابها. والتقدير: فاسأل بسؤالك الذي تريد أن تسأل عنه: خبيراً، فخبير مفعول به مثل الأول.
وقيل: خبيراً: حال من الهاء في به: والتقدير: إذا أخبرتك شيئاً يا محمد فاعلم أنه كما أخبرتك أنا الخبير. وهو قول ابن جريج.
ثم قال: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ }، أي: إذا قيل للكفار اسجدوا للرحمن خالصاً قالوا: { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا }، وزادهم هذا القول نفوراً من الإيمان، وعن إخلاص السجود لله. ومعنى نفوراً فراراً. وقيل: إنما عنوا هنا بالرحمن: رحمان اليمامة: مسيلمة الكذاب لأنه يسمى الرحمن. وقد كانوا مقرين بالرحمن الذي خلقهم. قال الله تعالى عنهم:
{ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } [الزخرف: 20]، وعلى هذا القول يحسن القراءة بالياء، والتقدير: أنسجد لما يأمرنا رحمان اليمامة، ومن قرأه بالتاء: جعله خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إن قراءة الياء على معنى: قول بعضهم لبعض: { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } محمد صلى الله عليه [وسلم].
ثم قال تعالى ذكره: { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً }، أي: قصوراً. كما قال
{ { وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [النساء: 78].
وقيل: البروج: منازل الشمس والقمر؛ قاله مجاهد وقتادة، والنجوم كلها هي في البروج.
ثم قال تعالى: { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً }، يعني الشمس { وَقَمَراً مُّنِيراً } أي: مضيئاً. ومن قرأ "سُرُجاً" بالجمع جعل البروج: القصور،، والسروج: النجوم. ومن قرأ سراجاً بالتوحيد جعل البروج المنازل والسراج: الشمس، والضمير في "فيها" على القراءة، من قرأ: "سرجاً" بالجمع يعود على البروج التي هي القصور، ومن قرأ "سرجاً" بالتوحيد كان الضمير يعود على السماء، وإن شئت على البروج.
ويكون السراج يؤدي على الجمع كما قال:
{ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [غافر: 67] / أي جعل فيها مضيئة.
وقرأ الأعمش و "قُمرا" بضم القاف وإسكان الميم، جعله جمعاً وهي قراءة شاذة.