خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥
ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً
٧
-الأحزاب

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى ذكره: { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } إلى قوله: { مِّيثَاقاً غَلِيظاً }.
أي: انسبوا أدعياءكم إلى آبائهم فهو أعدل عند الله.
{ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ } أي: تعرفوا أسماء آبائهم فتنسبوهم إليهم.
{ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } أي: فهم إخوانكم في الدين إذا كانوا أهل ملتكم.
{ وَمَوَالِيكُمْ } أي: وهم مواليكم أي: أوليائهم، أي بنو عمكم.
ثم قال تعالى: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي: لا إثم عليكم في الخطإ يكون منكم في نسب من تنسبونه إلى غير أبيه إن كنتم ترون أنه أبوه، وليس بأبيه.
{ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ }. أي: ولكن الإثم عليكم فيما تعمدتم من ذلك فنسبتم الرجل إلى غير أبيه متعمدين ذلك، هذا معنى قول قتادة ومجاهد وغيرهما.
و "ما" في موضع جر عطف على "ما" الأولى.
ويجوز أن تكون في موضع رفع على خبر ابتداءٍ محذوف، والتقدير: ولكن الذي تأثمون فيه ما تعمدت قلوبكم.
وقد أجرى بعض الفقهاء الفتيا في غير التعمد على ظاهرة هذه الآية، فجعلها عامة في كل شيء لم يتعمده فاعله.
قال عطاء: إذا حلف رجل أنه لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه، فأخذ منه ما يرى أنه حقه فوجدها زائدة أو ناقصة، إنه لا شيء عليه لأنه لم يتعمد. وكذا إذا حلف أنه لا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يعلم، إنه لا حنث عليه لأنه لم يتعمد ذلك. وأكثر الفقهاء على خلافه، فالآية عندهم مخصوصة في هذا بعينه. إنما كان هذا قبل النهي عندهم، أو في دعاء الرجل الرجل لغير أبيه مخطئاً. فهي مخصوصة في أحد الحكمين لا عامة في كل ما لم يتعمد الإنسان، دليله ما أوجبه الله جل ذكره / على القاتل خطأ.
ثم قال: { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } أي ذا ستر على ذنب من دعا إنساناً بغير اسم أبيه وهو لا يعلم.
ومن قال: إن الآية مخصوصة فيما كان قبل النهي، أو هي مخصوصة في أن يدعو الإنسان الرجل إلى أب وهو عنده أبوه، وليس هو كذلك، لم يقف على "ومواليكم" لأن ما بعده متصل به، ومن جعل { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } عاماً في هذا وغيره جعله مستأنفاً، حسن الوقف على { وَمَوَالِيكُمْ }، ثم استأنف ما بعده لأنه عام.
فإذا جعلت (ما) في موضع خفض لم تقف على { فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [لأن ما بعده معطوف عليه.
فإن جعلت (ما) في موضع رفع على ما تقدم وقفت على "أخطأتم به"].
ثم تستأنف: { وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ }.
ثم قال تعالى ذكره: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ }.
أي: أولى بهم من بعضهم لبعض، مثل:
{ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [البقرة: 54] { تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 85] وقيل: المعنى: أمر النبي أولى بالاتباع مما تأمر به النفس.
وقال ابن زيد: المعنى: ما قضى فيهم النبي من أمر جاز، كما كلما قضيت على عبدي جاز.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَأَنَا أَوْلَى النَّاس بِه فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَؤْوا إِنْ شِئْتُمْ: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَلِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَو ضِيَاعاً فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ" .
وحكى قتادة والحسن: بأنه كان يقرأ في بعض القراءات: "مِنْ أنفُسِهِمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ"، ولا ينبغي أن يقرأ بذلك الآن لمخالفته المصحف والإجماع.
ثم قال تعالى: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي: في الحرمة كالأم، فلا يحل تزوجهن من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يحل تزويج الابن الأم، وهن في الحق والتعظيم والبِرِّ كالأم.
ويروى أنه إنما فعل ذلك بهم لأنهن أزواجه في الجنة.
ثم قال تعالى: { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي: وأولوا الأرحام الذين ورثت يا محمد بعضهم من بعض أولى بالميراث من أن يرثهم المؤمنون والمهاجرون بالهجرة دون الرحم. هذا قول الطبري.
قال قتادة: لم يزل المؤمنون زماناً يتوارثون بالهجرة، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئاً، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فخلط المسلمون بعضهم ببعض فصارت المواريث بالملل.
وقيل: التقدير: وأولوا الأرحام من المؤمنين والمهاجرين أولى بالميراث من غيرهم ممن لا رحم بينهم من المؤمنين المهاجرين.
وقال ابن زيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين المهاجرين والأنصار أول ما كانت الهجرة، فكانوا يتوارثون على ذلك. قال فلما ظهر الفتح انقطعت الهجرة وكثر الإسلام وتوارث الناس على الأرحام، فنسخ التوارث بالهجرة، قال ذلك في كلام طويل تركته إذ الفائدة فيما ذكرت منه.
فمعنى الآية على هذا التأويل: وأولوا الأرحام من المهاجرين والأنصار بعضهم أولى ببعض بالميراث من أن يتوارثوا بالهجرة.
ثم قال تعالى: { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً }.
أي: إلا أن توصوا لقرابتكم من غير أهل الإيمان والهجرة، قاله قتادة والحسن وعطاء وابن الحنفية.
وقال مجاهد: معناه إلا أن تمسكوا بالمعروف والإحسان بينكم وبين حلفائكم من المهاجرين والأنصار.
وقيل: المعنى: إلا أن توصوا لمن حالفتموه وواخيتموه من المهاجرين والأنصار، قاله ابن زيد.
وقوله تعالى: { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }.
أي: كان أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في اللوح المحفوظ مكتوباً، قاله ابن زيد وغيره.
وقيل: المعنى: كان منع أن يرث المشرك المسلم مكتوباً في الكتاب، قاله قتادة.
ثم قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ }.
المعنى عند الطبري: { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }، أي كتبنا ما هو كائن في اللوح المحفوظ، { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ }، كان ذلك أيضاً، في الكتاب مسطوراً، يعني العهد والميثاق.
فالعامل في "إذ" على هذا: "كان".
والعامل فيها عند أبي إسحاق / "اذكر" مضمرة، أي: واذكر إذ أخذنا.
قال ابن عباس: أخذ منهم الميثاق على قومهم.
وقال ابن أبي بن كعب: هو مثل:
{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الأعراف: 172] الآية فأخذ ميثاقهم على الأنبياء منهم الذين كانوا كالسراج، ثم أخذ ميثاق النبيئين خاصة على الرسالة.
روى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"كُنْتُ أَوَّلَ الأَنْبِياءِ فِي الخَلْقِ وآخِرَهُمْ فِي البَعْثِ" .
فلذلك وقع ذكره هنا مقدماً قبل نوح وغيره لأنه أولهم في الخلق.
وقيل: المعنى: إن الله جل ذكره أخذ الميثاق على النبيئين أن يصدق بعضهم بعضاً.
قال مجاهد: { وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ }: في ظهر آدم، فالمعنى أخذ الله عليهم الميثاق إذ أخرجهم من ظهر آدم عليه السلام كالذَّرّ.