خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
٣٣
وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
٣٤
ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ
٣٥
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ
٣٦
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ
٣٧
-فاطر

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى ذكره: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ } إلى قوله: { مِن نَّصِيرٍ }.
أي: بساتين إقامة لا زوال منها، يدخل هؤلاء المتقدمون ذكرهم، على ما ذكرنا من الاختلاف في الآية التي قبلها، ورجوع الضمير على الكل أو على البعض.
ثم قال: { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } أي: يلبسون ذلك في هذه البساتين. وأساور جمع الجمع واحده أَسْوِرَة، وواحد أَسْوِرَة سَوار وسِوَار لغتان فيه. وحكي إِسْوَارٌ، وجمعه أساوير. وفي حرف أُبَيّ: "أساوير" على هذا المعنى.
وقال بعض أهل اللغة: قوله { مِنْ عِبَادِنَا } عام في النساء والرجال، وقوله: { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } يعني به النساء خاصة، وهو غلط لأنه كان يجب أن يقول يحلين، ولكن هو للرجال.
ويجوز أن يكون لهما جميعاً فيغلب المذكر على المؤنث.
ثم قال: { وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } من خفض فعلى العطف على "أساور". ومن نصب فعلى موضع "أساور".
وروي أن كل واحد يحلّى في يده ثلاث أسوِرة: واحد من فضة، وآخر من ذهب، وآخر من لؤلؤ، والذهب في الوسط في كل يد.
ثم قال تعالى: { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ }.
قال ابن عباس: الحزَن: حزن دخول النار، وهو قول الحسن. وقال عطية الحزنَ: الموت.
وقال شمر: الحزنَ: حزن الخبر.
وقال قتادة: كانوا في الدنيا يعملون وينصبون وهم في حزن فحمدوا الله على ذهاب ما كانوا فيه.
وروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَيُصِيبُهُ فِي ذَلِكَ المَكَانِ مِنَ الغَمِّ وَالحُزْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُم: الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ" يعنون ما كانوا فيه - في الموقف - من الخوف.
وقال الزجاج: معناه الذي أذهب عنا الغم بالمعيشة، والخوف من العذاب وتوقع الموت. وقيل: هو عام في جميع الحزن.
وقيل: الحزن هو أعمال عملوها من الخير فكانوا تحت خوف منها أن تقبل منهم أو لا تقبل، فلما قبلت حمدوا الله على ذلك.
وروى زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لا إِلَهَ إلاّ الله وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِم وَلا يَوْمَ نُشُورِهِمْ، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لا إِلَهَ إلاَّ اللهَ يَنْفُضُونَ التُّرابَ / عَنْ رُؤُوسِهِمْ يَقُولُونَ: الحَمْدُ للهِ الَّذي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ" .
ثمّ قال: { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } قيل: إنه من قول الثلاثة الأصناف.
قال قتادة: غفور لذنوبنا شكور لحسناتنا.
قال شمر: غفر لهم ما كان من ذنب وشكر لهم ما كان من عمل. وقيل: هو من قول الظالم لنفسه، أي: غفر الذنب الكثير وشكر العمل القليل.
رواه أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم ذكره في قوله: { أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ }.
وذكر ابن وهب عن أبي رافع أنه قال: بلغنا أنه يُجاء لابن آدم يوم القيامة بثلاثة دواوين، ديوان فيه الحسنات، وديوان فيه النِّعم، وديوان فيه السيّئات، فيقال لأصغر تلك النّعم: قومي فاستوفي ثمنك من الحسنات فتستوعب عمله ذلك كله فتبقى ذنوبه والنّعم كما هي، فمن ثم يقول العبد: { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ }.
وعن ابن عباس أنه قال: السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يُحاسب حساباً يسيراً، والظالم لنفسه يحاسب حساباً شديداً ويحبس حبساً طويلاً. فإذا أدخل هؤلاء الظلمة لأنفسهم الجنة قالوا: الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزَنَ - الذي كنا [فيه] حين حبسنا - إنّ ربنا لغفور شكور، غفر الذنوب العظيمة وشكر العمل القليل.
ثم قال تعالى ذكره: { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ } أي: أنزلنا وأدخلنا دار الإقامة. والمقامة والإقامة سواء، وهي الجنة. { لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ } أي: تعب ولا وجع.
{ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أي: عياء. يقال: لغب يلغبُ لُغُوباً.
قال ابن عباس: اللغوب: العياء. والنَّصبُ بفتح النون والصاد التعب والنُّصْبُ بضم النون وتسكين الصاد: الشَّرُّ، والنُّصُبُ بضمّتين: ما يُنصَبُ لذبح أو غيره.
وقرأ أبو عبد الرحمن: "لَغوب" بفتح اللام جعله مصدراً كالوَقود والطَّهور.
وقيل: هو ما يلغب منه.
ثم قال تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } قال قتادة: لو ماتوا استراحوا، ولكن لا يموتون.
ثم قال: { وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } أي: لا ينقص عنهم من النوع الذي هم فيه من العذاب.
ثم قال: { كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } أي: نكافئ كلّ جَحُود لنعمة ربه يوم القيامة.
ثم قال تعالى: { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } أي: يستغيثون فيها ويضجون، يسألون الرجعة إلى الدنيا ليعملوا صالحاً، فيقال لهم: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ }.
قال ابن عباس: هو أربعون سنة أعذر الله فيه لابن آدم، وقاله مجاهد.
وقال مسروق: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله جلّ ثناؤه.
وقيل: وهو ثماني عشر سنة.
وعن ابن عباس أيضاً: إنها ستون سنة، وهو قول علي بن أبي طالب.
وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نُودِيَ أَيْنَ أَبْنَاءُ السِّتِّينَ وَهُوَ العُمْرُ الَّذِي قَالَ اللهُ تَعالَى ذِكرُهُ: أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ" .
وروى أبو هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقَدْ أَعْذَرَ اللهُ فِي العُمْرِ إلَى صاحبِ السِّتِّينَ سنَة والسَّبْعِينَ" .
ثم قال: { وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ }.
قال ابن زيد: هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ:
{ هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } [النجم: 56]. وقيل: هو الشّيب.
والمعنى عمرتهم هذا العمر فلم تتعظوا ولم تعملوا ولم تؤمنوا.
ثم قال: { فَذُوقُواْ } أي: عذاب جهنّم.
{ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } أي: ما لهم من ينصرهم من عذاب الله فيستنقذهم منه.