خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ
٣٦
وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ
٣٧
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
٣٨
قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
٣٩
مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
٤٠
إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ
٤١
ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٤٢
أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ
٤٣
قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٤٤
-الزمر

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى ذكره: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } - إلى قوله - { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }، أي أليس الله بكاف محمداً صلى الله عليه وسلم أمر أعداء المشركين.
قال مجاهد: بكافيه الأوثان.
وروي أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لئن لم تنته عن سب آلهتنا لنأمرنها فتخبلك.
فالمعنى: يخوفك يا محمد هؤلاء المشركون بالأوثان أن تصيبك بسوء، أليس الله بكافيك؟! أي: هو كافيك ذلك.
ومن قرأ "عباده" بالجمع أدخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم ومن تقدمه من الأنبياء صلوات الله عليهم الذين توعدتهم أممهم بمثل ما توعدت به أمة محمد محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال مجاهد: نزلت هذه الآية حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة "والنجم" عند باب الكعبة.
ثم قال تعالى { وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ * وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ }، أي: من يخذل الله فيضله عن طريق الحق فما له سواه من مرشد، ومن يوفقه الله إلى طريق الحق فما له من مضل.
ثم قال تعالى { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ }، أي: أليس الله يا محمد بعزيز في انتقامه ممن / كفر به، ذي انتقام منهم.
ثم قال: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ }، (أي: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين منْ خلق السماوات والأرض ليقولن الله) خلقهن، فإذا أقروا بذلك فقل لهم يا محمد: أفرأيتم هذه الآلهة التي تدعون من دون الله إن أرادني الله بضرّ، أي: سقم أو شدة في معيشتي هل هن كاشفات عني ما أصابني، وإن أرادني الله عز وجل برحمة، أي بصحة وَسَعَةٍ في الرزق هل هن ممسكات عني ما أعطاني.
والجواب في هذا محذوف لعلم السامع بالمعنى.
والتقدير: فإنهم سيقولون لا نقدر على شيء من ذلك، فإذا قالوا ذلك فقل يا محمد حسبي الله، أي: كافِيي الله مما سواه من الأشياء.
{ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }، أي: من هو متوكل فليتوكل عليه لا بغيره.
وقال قتادة: ولئن سألتهم من خلق السماوات، يعني: الأصنام فيكون المسؤول في هذا القول: الأصنام. والقول الأول عليه أكثر المفسرين.
ثم قال تعالى ذكره: { قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } معنى الكلام التهدد والوعيد، أي: اعملوا على تمكنكم من العمل الذي تعملونه مثل قوله:
{ { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف: 29].
وقال مجاهد: معناه اعملوا على ناحيتكم، (أي: على) ناحيتكم التي اخترتموها وتمكنت عندكم، إني عامل على ناحيتي.
وقيل: المعنى إنى عامل على عمل من سلف من الأنبياء عليهم السلام قبلي.
{ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي سوف تعلمون من يهان ويذل ممن يكرم وينعم إذا جاءكم بأس الله عز وجل فيظهر لكم المحق منا من المبطل وهو معنى قوله: { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }.
ثم قال تعالى { إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ }، أي: أنزلناه تبياناً بالحق.
{ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ }، أي من آمن به واتبعه فلنفسه عمل، لأنه أكسب نفسه باتباعه الحق وإيمانه الفوز والرضى من الله عز وجل والخلود في النعيم المقيم.
ثم قال: { وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا }، أي: ومن جار عن ما أنزل إليك فإنما يجُورُ على نفسه، لأنه أكسبها بكفره وجوره عن الحق العطب والخزي الدائم، والخلود في نار جهنم.
ثم قال: { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ }، أي: ما أنت يا محمد على من أرسلناك إليهم برقيب ترقب أعمالهم وتحفظ أفعالهم، إنما أنت رسول وما عليك غير البلاغ المبين وحسابهم علينا، قال قتادة، والسدي: بوكيل: بحفيظ.
ثم قال تعالى: { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } (أي يقبض الأرواح عند فناء آجالها وانقضاء مدة حياتها ويقبض أيضاً التي لم تمت في منامها) كما يتوفى التي ماتت عند مماتها فيرسل نفس النائم ويمسك نفس الميت، فإذا جاء وقت أجل النائم قبض نفسه ولم يردها إليه.
قال ابن جبير: يقبض الله عز وجل أرواح الأحياء النائمين وأرواح الموتى فتلتقي أرواح الأحياء وأرواح الموتى، ثم يرسل الله أرواح الأحياء النائمين، ويمسك أرواح الموتى.
وعن ابن عباس أنه قال: يلتقي أرواح الموتى وأرواح النائمين فيتساءلون بينهم، ثم يمسك الله عز وجل أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها إلى أجل مسمى، وهو الموت.
قال الفراء: المعنى: ويقبض التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها، قال: وقد يكون توفيها نومها، فالتقدير عنده: والتي لم تمت، نومها: وفاتها.
وقال ابن جبير: معناه أن الله جل ذكره يجمع بين أرواح الأحياء والموتى، فيتعارف منهما ما شاء الله أن يتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها.
وقال السدي: يقبض الله عز وجل روح النائم في منامه فتلقى الأرواح بعضها بعضاً أرواح الموتى وأرواح النيام (فتلتقي فتسأل).
قال فيخلي الله عز وجل عن أرواح الأحياء فترجع إلى أجسادها إلى أجل مسمى - أي: إلى بقية آجالها - وتريد الأخرى أن ترجع فيحبس التي قضى عليها الموت، وهو قول ابن زيد.
وقال بعض أهل اللغة: النفس على معنيين: نفس التمييز، ونفس الحياة. ونفس التمييز هي من نفس الحياة وليس / نفس الحياة هي نفس التمييز لوجودنا النائم معه نفس الحياة ولا تمييز له.
فنفس التمييز ترتبط بنفس الحياة في حال وتفارقها في حال.
فتنفرد نفس الحياة، وليس تنفرد نفس التمييز بالبقاء البتة في الجسد، وتنفرد نفس الحياة بالبقاء في البدن. فالتي تقبض عند النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة، والتي تقبض عند الموت هي نفس الحياة، (فذهاب نفس الحياة) لا عودة بعده في الدنيا، وذهاب نفس التمييز له رجعة في الدنيا.
ونفس الحياة بها يكون التمييز والحركة والنفس، ونفس التمييز لا تكون إلا تابعة لنفس الحياة فهي جزء منها. ألا ترى أن التمييز يذهب والحياة والنفس والحركة باقية، ولو ذهبت نفس الحياة لم يبق (تمييز ولا نفس) ولا حركة. فالجملة نفس واحدة إلا أنها تنقسم في المنافع.
فصاحب هذا القول ينحو إلى أن النفس التي هي التمييز هي العقل، كأن التمييز هو العقل الذي تميز به الأشياء فهو مرتبط بالحياة، فسمي نفساً لارتباطه بالنفس والحياة.
وقيل: إن المعنى على هذا التأويل: الله يتوفى الأنفس حين موتها بإزاله أرواحها وتمييزها ويتوفى التي لم تمت في منامها بإزالة تمييزها دون حياتها، وهذا هو القول الذي قبله مختصراً.
ثم قال: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }، أي: في قبض الله عز وجل نفس النائم وردّها عليه، وقبضه نفس الميت ومنها من الرد عليه، لَعِبَراً وعظات لمن تفكر وتدبر، وبياناً أن من فعل هذا يقدر على أن يحيى الموت إذا شاء.
ثم قال تعالى ذكره وجل ثناءه: { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ }، أي اتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهتهم التي يعبدون (شفعاء) تشفع لهم عند الله.
ثم قال: { قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ }، أي: قل لهم يا محمد: أتتخذونهم آلهة وإن كانوا لا يملكون لكم ضراً ولا نفعاً ولا يعقلون عنكم شيئاً.
ثم قال تعالى: { قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }، أي: قل يا محمد: لله الشفاعة جميعاً فاعبدوه ولا تعبدوا ما لا يملك لكم شفاعة ولا غيرها.
{ لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }، أي: له سلطان ذلك وملكه، فما تعبدون أيها المشركون داخل في ملكه وسلطانه فاعبدوا المالك دون المملوك، فإليه ترجعون بعد موتكم فيجازيكم على أعمالهم.
قال قتادة: أم اتخذوا من دون الله شفعاء، يعني: الآلهة. قل أو لو كانوا لا يملكون شيئاً يعني: لا يملكون الشفاعة.
قال مجاهد: قل لله الشفاعة جميعاً، أي: "لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه".