تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } الآية.
المعنى أن "من" متعلقة بـ { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً } أي هم من الذين هادوا. وقيل: المعنى من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم. وقيل: المعنى من الذين هادوا من يحرفون الكلم. حكي عن العزيز يقول أي: من يقول ذلك.
وقيل: "من" متعلقة بنصير، أي: وكفى بالله نصيراً من هؤلاء القوم، أي: ينتصر منهم في الآخرة، فاكتفوا بنصرته منهم أيها المؤمنون.
واختار قوم أن يكون المحذوف من كما قال: { { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164] أي: من له، كما يقول له: منا يقول ذلك ومنا لا يقوله، أي: من يقوله ومن لا يقوله ومذهب سيبويه تقدير قوم كما ذكرنا أولاً.
واختار أهل التفسير أن يكون "من" متعلقة بالذين أوتوا نصيباً من الكتاب".
ومعنى { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ } أي: يتأولونها على غير وجهها، ويعدلونها عن ظاهرها، والكلم هنا كلام النبي عليه السلام، وقال مجاهد: الكلم كلم التوراة يبدلونها، وهو جمع كلمة.
{ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا }: يقولون لمحمد صلى الله عليه وسلم: سمعنا قولك، وعصينا أمرك، يخفون العصيان، ويظهرون السمع والطاعة إذا أرادوا أن يكلموه، قال: { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي: يقولون في أنفسهم: لا سمعت، يقولون { رَٰعِنَا } يوهمونهم أنهم يريدون: أرعنا سمعك، وهم يريدون به الرعونة في لغتهم.
وقيل معنى { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } أي: اسمع غير مقبول منك، ويلزم قائل هذا أن يقول غير مسموع منك. ومعنى { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } أي: تحريفاً إلى السب والاستخفاف.
وقيل: كانوا يريدون بقولهم { رَٰعِنَا } أي: راعينا مواشينا، ويوهمون أنهم يريدون راعنا، أي: انتظرنا وارفق بنا، وإنما يريدون الرعي رعي المواشي عن طريق الهزء والاستخفاف والمغالطة.
قوله: { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي: سمعنا قولك وأطعنا أمرك { وَٱسْمَعْ } أي: اسمع منا { وَٱنْظُرْنَا } أي: انتظرنا نفهم عنك ما تقول لكان ذلك [{ خَيْراً لَّهُمْ] وَأَقْوَمَ } أي وأعدل.