خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً
٦٠
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً
٦١
-النساء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ } الآية: معناه ألم تعلم بقلبك الذين يزعمون أنهم صدقوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك من الكتاب، وهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمرهم الله أن يكفروا به: أي: بما جاء به الطاغوت.
والطاغوت كل ما عبد من دون الله عز وجل فهو جماعة، وهو يذكر ويؤنث، فإذا ذُكِّر ذهب به إلى [معنى] الشيطان وإذا أُنِّث ذُهب [به] إلى معنى الألوهية، وإذا جمع ذهب به إلى [معنى] الأصنام.
قال الله في التذكير: { وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } فذكر على معنى الشيطان، وقيل: هو كعب بن الأشرف.
قال الله جل ذكره:
{ { ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا } [الزمر: 17] فأنث على معنى الألوهية. وقال في الجمع: { { أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ } [البقرة: 257] فجمع على معنى: أولياؤهم الأصنام.
قوله: { يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ } أن يضلهم أي: يضل هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن الحق أي: يصدهم عنه.
وروي أن هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلاً من اليهود في خصومة كانت بينهما، فكان المنافق يدعوه إلى اليهود لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة، واصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن جهينة ليحكم بينهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، فأنزل الله هذه الآية فقوله: { يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } يعني به المنافق { وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } يعني به اليهود { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ } وهو الكاهن { وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } أمر هذا في كتابه، وهذا في كتابه أن يكفروا بالكاهن. وقيل: إنهما رجلان من اليهود تخاصما فدعا أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يدعو إلى الكاهن فمضيا، فأنزل الله هذه الآية.
وقال ابن عباس: كانت اليهود إذا دعيت إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أبوا، وقالوا: بل نتخاصم إلى كعب بن الأشرف، فأنزل الله هذه الآية.
وقوله { ضَلاَلاً } مصدر لفعل دل عليه { يُضِلَّهُمْ } كأنه فيضلهم { ضَلاَلاً } مثل:
{ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 17]. قوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ } هذا ذم لفعل المذكورين أنهم يتحاكمون إلى الطاغوت، فأخبر الله تعالى أنهم إذا قيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله "أي: إلى كتابه جلت عظمته وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم { رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ } أي: يمتنعون عنك.
و { صُدُوداً }: هو اسم للمصدر عند الخليل، والمصدر عنده الصد، وهو مصدر عند الكوفيين، والصد أيضاً مصدر عندهم.
ووقع الإخبار عن المنافق بالصد لأنه هو الذي دعا إلى الكاهن، ولم يمض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن جريج: دعا اليهودي المنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل:
" دعا اليهودي المنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المنافق: بيني وبينك الكاهن، فلم يرض اليهودي بالكاهن، ومضيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم لليهودي على المنافق، فقال المنافق: لا أرضى، وقال: بيني وبينك أبو بكر، فحكم أبو بكر لليهودي، فلم يرض المنافق، فقال: بيني وبينك عمر، فمضيا إلى عمر فأخبره اليهودي أن المنافق قد حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر فلم يرض بحكمهما، فقال عمر للمنفق: كذلك؟: قال: نعم، قال عمر اصبر، فإن لي حاجة ادخل فأقضيها وأخرج إليكما، فدخل وأخذ سيفه وخرج إلى المنافق فضاربه بالسيف فقتله، فجاء أهله فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن قصته فقال عمر: رد حكمك يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت الفاروق" .
ومعنى: يصدون عنك أي: عن حكمك.