خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ
١٩
مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ
٢٠
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢١
تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ
٢٢
ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
٢٣
-الشورى

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى: { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } إلى قوله: { غَفُورٌ شَكُورٌ }، أي: والله ذو لطف بعباده، يرزق من يشاء فيوسع عليه ويقتر على من يشاء.
{ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ } لا يغلبه غالب.
{ ٱلْعَزِيزُ } في انتقامه من أعدائه.
ثم قال تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ }. الحرث هنا: العمل.
والمعنى: من كان يريد بعمله الآخرة نَزِدْ لَهُ في حرثه، أي: نوفقه ونضاعف له الحسنات.
{ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا }، (أي: ومن كان يريد بعمله الدنيا نؤته منها ما يريد، مثل دفع الآفات ونحوها ومثله قوله:
{ { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } [الإسراء: 18].
وقيل: المعنى: من كان يريد بفعله الخير ثناء أهل الدنيا تركناه وذلك، ولم يكن له في الآخرة من عمله نصيب.
وقيل نزلت في الغزو، والجهاد. والتقدير: من كان يريد بغزوه وجهاده الآخرة وثوابها نعطه ذلك ونزده، ومن كان يريد بذلك الغنيمة والكسب نؤته منها، أي: نخلي بينه وبين ذلك.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع المنافقين من أخذ الغنيمة ومن أجلها غزوا معه لا لله سبحانه. ففيهم (وفي أشباههم نزلت الآية) فتكون الآية على هذا القول مخصوصة.
وقال طاوس: "من كان همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه (ولم ينل من الدنيا إلا مَا كُتِبَ له)، ومن كان همه الآخرة (جعل الله غناه بين عينيه)، ونور قلبه، وآتاه من الدنيا ما كتب الله له".
وقال الطبري في معناها: من كان يريد بعمله الآخرة نزد له في عمله الحسنى، فنجعل له بالواحد عشراً إلى ما شاء ربنا من الزيادة، ومن كان يريد بعمله الدنيا ولها يسعى، نؤته منها ما قسمنا له وما كتب له منها.
{ وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ }، أي: ماله من عمله ذلك في الآخرة حظ.
وقال قتادة: معناه: من آثر آخرته على دنياه نزد له في أجره، ومن آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيباً في الآخرة إلا النار، ولم نزده في الدنيا شيئاً إلا رزقاً قد فرغ منه.
وروى الضحاك عن ابن عباس أن قوله: { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا }: منسوخ في سورة "سبحان" بقوله:
{ { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } [الإسراء: 18] وفيه بُعْدٌ لأن الأخبار لا تُنسخ.
ثم قال تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ }، أي: بل لهم شركاء اخترعوا لهم ديناً لم يأمر به الله سبحانه فعملوا به وقبلوه.
وأضيف "الشركاء" إليهم لأنهم هم أحدثوا عبادتهم من دون الله سبحانه، فأشركوا بينهم وبين الله سبحانه في العبادة، تعالى الله على ذلك عُلُواً كبيراً.
ثم قال تعالى: { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ }، أي: ولولا السابق من حكم الله عز وجل أنه لا يعجل لهم العذاب في الدنيا، وأنه مؤخر عذابهم إلى يوم القيامة لجاءهم العذاب، فَيَهْلَكُ الكافرون وينجو المؤمنون.
(ثم قال تعالى: { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }، أي: مؤلم والظالمون): الكافرون بالله.
ثم قال تعالى: { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ }، أي: ترى يا محمد الكافرين يوم القيامة خائفين من عقاب ما كسبوا في الدنيا من الأعمال الخبيثة أن يَحُلَّ بهم، وعقابه واقع بهم وَحَالٌّ عليهم.
ثم قال تعالى: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ }.
والروضة: المكان المونق الحسن، ولا تكون الروضة - عند بعض اللغويين - إلا في المكان المرتفع.
ثم قال تعالى: { لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ }، أي: لهم عند ربهم - في الآخرة - ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم.
{ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ }، أي: ذلك الذي أعطاهم الله من النعيم والكرامة هو الفضل الكبير عليهم من الله عز وجل.
ثم قال تعالى: { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ }، أي: ذلك الذي أخبرتكم به من الكرامة هو الذي يبشر الله به عباده الذين / آمنوا في الدنيا، وعملوا الأعمال الصالحات.
ثم قال تعالى جل ذكره: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ }، أي: قل لهم يا محمد لا أسال منكم جُعْلاً على ما جئتكم به من الهدى والقرآن والدعاء إلى الإيمان والنصيحة إلا أن (تُوَدُّونِي) لقرابتي منكم، وتصلوا رحمي بيني وبينكم.
قال ابن عباس: لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة.
وعن ابن عباس أيضاً أنه قال: لما أبو (أن يتابعوه، قال: يا قوم، إن أبيتم أن تتابعوني) فاحفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونصري منكم، وبهذا القول قال في الآية: عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي.
قال قتادة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يسأل الناس على هذا القرآن أجراً إلا أن يَصِلُوا ما بينه وبينهم من القرابة - وكل بطون قريش بينهم وبينه قرابة -.
فيكون المعنى: إلا أن تودوني لقرابتي منكم، (إني لا أسألكم من أموالكم شيئاً على ما جئتكم به، إنما أسألكم أن تودوني لقرابتي منكم إن أبيتم) أن تؤمنوا بي.
وعن ابن عباس أنه قال:
"قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا... فكأنهم فَخُرُوا. فقال بعض قرابة النبي صلى الله عليه وسلم: لنا الفضل عليكم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم في مجالسهم، فقال: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ تَكُونُوا أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمْ اللهُ بِي؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: أَلَمْ تَكُونُوا ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمْ اللهُ بِي؟ قَالُوا: بَلَي يَا رَسُولَ الله قَالَ: أَفَلاَ تُجِيِبُونِي؟ قَالُوا: مَا نَقُولُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: أَلاَ تَقُولُونَ: أَلَمْ يُخْرِجْكَ قَوْمُكَ فَآوَيْنَاكَ؟ أَلَمْ يُكَذِّبُوكَ فَصَدَّقْنَاكَ؟ أَلَمْ يَخْذِلُوكَ فَنَصْرنَاكَ. فَمَا زَالَ يَقُولُ حَتَّى جَثَوْا عَلَى الْرُّكَبِ. وَقَالُوا: أَمْوالُنَا وَمَا فِي أَيْدِينَا لله وَرَسُولِهِ قَالَ: فَنَزَلَتْ: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } الآية" . وبهذا القول قال عمرو بن شعيب.
وهذا يدل على أن الآية مدنية.
وعن ابن عباس أيضاً أن معنى الآية: قل يا محمد لقريش: لا أسألكم على ما جئتكم به أجراً إلا أن تتوددوا إلى الله وتتقربوا إليه بالعمل الصالح.
وقال الحسن: معناه: إلا التقرب إلى الله عز وجل والتودد إليه بالعمل الصالح.
وقال الضحاك: الآية منسوخة نسخها قوله: { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ }.
واختار الطبري قول من قال: معناه: إلا أن تودوني في قرابتي منكم.
و { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ } في هذا استثناء منقطع. فالمعنى: لا أسألكم عليه أجراً لكن أسألكم أن تودوني لقرابتي منكم.
ثم قال: { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً }، أي: ومن يعمل حسنة نضاعفها إلى عشر حسنات فأكثر.
{ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ }، أي: غفور لذنوب عباده المؤمنين { شَكُورٌ } لحسناتهم يضاعفها لهم.