خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٤
-المائدة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ } الآية.
المعنى: أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما الذي أحل الله لهم، فقال الله له { [قُلْ] أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } وهو الحلال الذي أذن فيه من الذبائح، وأعلمهم أنه أحل لهم (مع ذلك) أكل صيد ما علموا من الجوارح، وهي سباع البهائم والطير، سميت "جوارح" (لكسبها لأربابها) أقواتهم، فالجوارح: الكواسب، (و) واحدها: جارحة يقال: جرح فلان أهله خيراً"، إذا أكسبهم خيراً، و"فلان جارحة أهله" أي: كاسبهم، و"لا جارح لفلان" أي: ليس له كاسب، و"فلان يجترح" أي: يكتسب، ومنه قوله تعالى: /
{ { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } [الجاثية: 21] أي: اكتسبوها، ومنه قوله تعالى { { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } [الأنعام: 60] أي: ما اكْتَسَبْتُمْ.
وفي الكلام حذف، والتقدير: قل أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم من الجوارح.
وكان النبي قد أمر بقتل الكلاب، فسألوا عما يحل اتخاذه منها وصيده، فنزل { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } فعلم أنه مباح اكتساب كلاب الصيد سلوقية أو غير سلوقية.
ومعنى { مُكَلِّبِينَ }: أصحاب كلاب، قال مجاهد: الفهد من الجوارح، وكلهم على أن الصقر والبازي من الجوارح، وكذلك العقاب.
والجوارح هي المعلَّمة من هذه الأنواع، إذا دعيت أجابت وإذا زجرت أطاعت، فكل من أرسل منها شيئاً فسمى الله عز وجل فأصابت صيداً أكل، وإن قتلته فهو حلال، غير أن الضحاك قال: الجوارح: الكلاب المعلّمة دون غيرها لقوله { مُكَلِّبِينَ }، وقد
" روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيد البازي، فقال: ما أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُل" .
وما صاد غير المعلَّم لا يؤكل إلا أن تدرك ذكاته وهو حي صحيح، لم يحدث فيه ما إن ترك لم يعش. وإذا أكل الكلب المعلم من الصيد، أكل باقيه عند مالك.
ومعنى { مُكَلِّبِينَ } أصحاب كلاب، ويقال: أكلب الرجل، إذا كثرت عنده الكلاب، فهو مُكْلِب.
وقد قرأ ابن مسعود (مُكْلِبين) بإسكان الكاف، يريد كثرة كلابهم، وقيل معنى { مُكَلِّبِينَ } معلّمين محرّشين.
وقوله { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } أي: تؤدبوهنّ من التأديب الذي أدبكم الله به والعلم الذي علمكم، وهو الطاعة إذا زُجر والأخذ إذا أُمر.
قال ابن عباس: التعليم: أن يمسك الصيد فلا يأكل حتى يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته، فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه فلا يؤكل، وهو قول سعيد بن جبير والنخعي والشعبي وقتادة وعطاء وعكرمة والشافعي، وروي عن أبي هريرة.
وقال ابن عمر: يؤكل وإن أكل وبه قال (مالك وجماعة معه).
ومن أرسل كلباً غير معلم فأخذ، فلا يؤكل ما أخذ إلا أن يُدْرِكَ ذكاته فإن أرسل معلماً فأخذ ولحقه قبل أن يموت - فاشتغل عن تذكيته حتى مات - فلا يؤكل، لأنه أدركه حيّاً وفرَّط في تذكيته، فإن (كان) أدركه (حيّاً) وقد أنفذ الكلب - أو البازي - مقاتله فلم يذكه حتى مات، أكل، لأن الذكاة ليست بشيء إذ هو ميت لا محالة لو ترك.
فإن أرسل المُعَلَّم فوجد معه كلباً آخر - معلَّما أو غير معلَّم - فلا يؤكل، لأنه لا يدري لعل الآخر قتله وهو لم يرسله ولا سمى الله عليه، كذلك قال مالك والشافعي وغيرهما، وقال الأوزاعي: إن كان الثاني معلَّما أكل، وإن كان غير معلّم لم يؤكل، وكذلك قياس البازي. فإن أرسله على صيد فأخذ غيره، فإن مالكاً يكره أكله، فإن أرسله في جماعة: فأيها أخذ أكل.
ولا بأس عند مالك بلعاب الكلب الصائد يصيب ثوب الإنسان، وقال الشافعي: هو نجس.
فإن انفلت المعلّم من يد صاحبه - ولم يرسله - فأخذ، فلا يؤكل ما أخذ عند مالك والشافعي، وقال عطاء والأوزاعي: يؤكل.
ولا يؤكل صيد أهل الكتاب عند مالك، لأن الله تبارك اسْمُهُ قال
{ { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } [المائدة: 94] وتؤكل ذبائحهم. وأجاز الشافعي وعطاء وغيرهما أكل ما صاد كلب الكتابي المعلم.
وأما صيد المجوسي فأكثرهم منعه ولم يجز أكله، فأما صيد الكتابي والمجوسي للحيتان والجراد فهو / حلال أكله عند أكثر العلماء، وكره مالك صيد المجوسي الجراد، ولم يكره الحيتان، فرق بين صيد البر والبحر، وكذلك قال النخعي.
وكل ما أصاب المِعْراض يؤكل إذا كان بغير عَرْضه عند مالك والشافعي. فأما صيد البندقة فكرهه مالك والشافعي وغيرهما. ولم ير مالك رضي الله عنه بأساً بأكل الصيد يغيب عن عين صاحب الكلب إذا وجد فيه أثراً من كلبه، وكذلك السهم ما لم يبت عنه. ولم يجز ابن القاسم أكل الصيد إذا بات عن المرسل.
وقال ابن الماجشون: إذا أنفذ سهمك - أو كلبك - مقتل الصيد فكله. وإن بات عنك، وإذا لم ينفذ مقتله فلا تأكل إذا بات عنك، لعل غير كلبك قتله، وقاله أشهب وأصبغ.
وقوله { [مِمَّآ] أَمْسَكْنَ } من: للتبعيض. وقيل: هي زائدة.
ومعنى التبعيض أنه يؤكل، لحمه حلال، ويترك دمه [وفَرْثه]، لأن الدم حرام.
وقوله: { وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ "عَلَيْهِ" } أي: حين الإرسال. وقيل: حين الأكل.
ومن نسي فلا شيء عليه، فإن تركها عامداً لم [يؤكل] ما أخذ، كما لا يؤكل ما ذبح إذا ترك التسمية عامداً.
قوله: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي: اتقوه فيما أمركم به، وأن لا تأكلوا صيد غير معلم، { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي: لمن حاسبه، حافظ لجميع ما تعملون.