تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } الآية.
المعنى: وما عظموا الله حق عظمته { إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ }.
وقيل: المعنى: وما عرفوه حق معرفته.
والذي قال ذلك هو "رجل من اليهود، جاء يخاصم النبي، فقال له النبي: أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟، وكان الرجل حبراً سميناً، فغضب اليهودي وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء!، فقال له: أصحابه: ويحك، ولا على موسى؟. فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء!، فأنزل الله: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } الآية" .
وقال محمد بن كعب القرظي: جاء ناس من اليهود إلى النبي فقالوا: يا أبا القاسم، ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحاً يحملها من عند الله؟، فأنزل الله { { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [النساء: 153] الآية، ثم { قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ }، فأنزل اللهُ: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } الآية، ثم قال الله لنبيه محتجا عليهم: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ "نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ" } إلى قوله: { قُلِ ٱللَّهُ }.
وقيل: إن هذا خبر عن مشركي العرب أنكروا أن يكون الله أنزل على أحد كتاباً.
وقوله: { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } هم يهود أخفوا من التوراة ما أرادوا، وأبدوا ما أرادوا.
واختيار الطبري أن يكون ذلك خطاباً لقريش، لأنه في سياق الحديث عنهم، ولأن اليهود لم يَجْرِ لهم ذكر.
قال مجاهد: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ } هو خطاب لمشركي العرب، { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } إخبار عن اليهود، { وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ } للمسلمين.
فمن قرأ بالياء في (يجعلونه) و (يبدون) و (يخفون)، رَدَّهُ على الناس. ومن قرأ بالتاء، فعلى المخاطبة لليهود، والمعنى: علمتم علماً فلم يكن لكم علم لتضييعكم إياه، ولا لآبائكم لتضييعهم إياه، لأن من عَلِمَ شيئاً وضيّعه، فليس له علم.
ويجوز أن يكون المعنى: وعلمتم علماً لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم، على الامتنان عليهم بإنزال التوراة / عليهم، والأول: قول أهل التفسير.
{ وَهُدًى لِّلنَّاسِ } وقف على قراءة من قرأ بالياء في { تَجْعَلُونَهُ } وما بعده، { وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ } تمام عند نافع، { قُلِ ٱللَّهُ } التمام عند الفراء، لأن المعنى عنده: قل الله عَلَّمَكُم.
وقيل: المعنى: قل يا محمد: الله أنزله، ولا جواب لقوله: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ }.
وقوله: { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ } أي: دعهم في باطلهم، وهذا تهديد من الله لهم.