خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ
١٧٧
مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
١٧٨
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ
١٧٩
-الأعراف

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا }، إلى قوله: { هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }.
قال الأخفش: التقدير: سَاءَ مثلاً مَثَلَ القوم.
وقرأ الجُحْدَرِيُّ: "سَاءَ مَثَلُ القَوْمِ"، برفع "المثل"، وإضافته إلى "القوم".
وقوله: { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي }،
أي: من يوفقه الله (عز وجل)، إلى الإسلام { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }، أي: من يخذله فلا يوفقه إلى الإسلام فهو خاسر، أي: خسر نفسه في الآخرة، وذلك أعظم الخسارة.
روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
"ما هلكت أُمَّةٌ قطُّ إلا بالشرك بالله، (سبحانه)، وما أشرَكَتْ أمة قط حَتَّى يَكُونَ بَدءُ شركها التَّكذِيبَ بِالقدَرِ" .
وروى زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله (عز وجل)، لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَوَاتِهِ وأرضه لَعَذَّبَهُمْ غَيْرَ ظَالِمْ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهْمُ كانت رَحْمَتُهُ خَيْراً لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً فِي سَبِيل الله ما قُبِلَ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِن بِالقَدَرِ، وتعلم أنَّ ما أًصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، فَإِنْ مِتّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ دَخَلْتَ النَّارَ" .
ثم قال تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ }.
{ ذَرَأْنَا }، أي: خلقنا.
قال سعيد بن جبير: أولاد الزَّنا مما خلق الله، (سبحانه)، لجهنم. يعني: الكفرة منهم. رواه [ابن عمر] عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، أنه قال:
"لمَّا ذَرَأَ اللهِ لِجَهَنَّمِ مَا ذَرَأ، كان وَلَدِ الزِّنا ممَّا ذَرَأ" .
{ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا }.
أي: لهؤلاء الذين ذرأ لجهنم، { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } الهدى.
أي: لا يفقهون [بها] شيئاً من أمر الآخرة.
{ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا }، الهدى.
{ وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ }، الحق.
وقيل: { لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا }، أي: لا يتفكرون في آيات الله، (سبحانه) / وأدلته، (جلت عظمته) على توحيده، وحججه التي أتت بها الرسل، { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } آيات الله، (سبحانه)، وأدلته (جلت عظمته)، { وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ }، أي: لا يسمعون آيات الله، (سبحانه) فيعتبرون. يقولون:
{ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [فصلت: 26]. وهو نظير قوله: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 171].
{ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ }.
في جهلهم وقلة تمييزهم للحق.
{ بَلْ هُمْ أَضَلُّ }.
يعني أن البهائم لا تمْييزَ لها، فلا يلزمها نقص في جهل. وهؤلاء لهم تمييز، فالنقص لهم لازم في جهلهم. فهم أشَدُّ نَقْصاً في الجهل من البهائم. والبهائم مع عدم تمييزها تطلب لأنْفُسِهَا المنافع، وتفر من المضار، وهؤلاء لا يعقلون ذلك، يتركون ما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم، ويلزمون ما فيه مضرتهم، فهم أضل من البهائم.
{ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }.
أي: الذين غَفَلُوا عن مصالحهم ومنافعهم، وَغَفَلُوا عن آيات الله، (سبحانه)، وحججه وأعلامه الدالة على توحيده (سبحانه)، وَصِدْق رُسُلِهِ.