تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } إلى قوله: { لِّلْعَبِيدِ }.
المعنى: واذكر، يا محمد، { إِذْ يَقُولُ }.
وقيل المعنى: { لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأنفال: 42]، في هذه الأحوال، وحين يقول المنافقون: كذا وكذا.
و { ٱلْمُنَافِقُونَ } هنا: نَفَرٌ لم يستحكم الإيمان في قلوبهم من مشركي قريش، خرجوا مع المشركين من مكة وهم على الارتياب، فلما رأوا قلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: { غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ }، حتى قدموا على ما قدموا عليه، مع قلة عددهم.
وقال الحسن: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر، فسموا: "منافقين".
وقال معمر: هم قوم أقروا بالإسلام بمكة، ثم خرجوا مع المشركين إلى بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: { غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ }.
قال ابن عباس: إنّما قالوا ذلك حين قلل الله المسلمين في أعين المشركين، فظنوا أنهم يغلبون لا محالة.
وقوله: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ }.
أي: يسلم أمره إلى الله عز وجل { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ }، أي: لا يغلبه شيء، ولا يقهره أمر { حَكِيمٌ } في تدبيره.
فـ { ٱلْمُنَافِقُونَ }: هم الذين أظهروا الإيمان، وأبطنوا الشرك، { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }: هم الشاكون في أمر الإسلام. وقيل: هما واحد، كما قال: { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } [البقرة: 3]، ثم قال: { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } [البقرة: 4]، وهما واحد.
ويُروى أن رجلاً من الأنصار رأى الملائكة يوم بدر، فذهب بصره، فكان يقول: لولا ما ذهب بصري لأرَيْتكُم الشِّعْب الذي خرجت منه الملائكة.
قال: ولقد سمعت حَمْحَمة الخيل.
قوله: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ }.
أي: لو عاينت ذلك، يا محمد، رأيت أمراً عظيماً، يضربون وجوههم وأستاههم، يقولون لهم: { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }، أي: النار. فـ: "يقولون" محذوفة من الكلام.
وجواب { لَوْ } محذوف. والمعنى: ولو ترى ذلك لرأيت أمراً عظيماً، وشبه هذا.
وهذا إنما يكون عند قبض أرواحهم.
وقيل: إنما يكون يوم القيامة.
وقيل: أريد به يوم بدر، قاله مجاهد.
قال مجاهد { أَدْبَارَهُمْ }: أستاههم، ولكن الله كريم يَكْنِي.
قال ابن عباس: / كان المشركون إذا أقبلوا بوجوهم يوم بدر إلى المسلمين، ضربوا وجوههم بالسيوف، وإذا ولَّوا، أدركتهم الملائكة يضربون أدبارهم.
قوله: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }، وقف، إن جعلت المعنى: إذ يتوفى الله الذين كفروا، ثم تبتدئ: { ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ }، على الابتداء والخبر.
ويدل على هذا المعنى: { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } [الزمر: 42].
وإن جعلت الملائكة هم يتوفونهم، وقفت على { ٱلْمَلاۤئِكَةُ }، وهو مروي عن نافع، وجعلت { يَضْرِبُونَ }، على إضمار مبتدأ، أي: هم يضربون.
والأحسن الوقف على { أَدْبَارَهُمْ }، وهو التمام وتبتدئ: { وَذُوقُواْ }، على معنى: ويقولون.
{ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } تمام، إن قدرت "الكاف" في { كَدَأْبِ } [الأنفال: 52]، متعلقة بقوله: { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ }. فإن قدرت أنها متعلقة بقوله: { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }، لم تقف على: { ٱلْحَرِيقِ }؛ لأنّ المعنى: { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } ذوْقاً { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ }. فـ: "الكاف" على هذا في موضع نصب نعت لمصدر محذوف.
و { ذٰلِكَ }، في موضع رفع بالابتداء، والخبر: { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ }، والتقدير: ذلك العذاب لكم { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ }، أي: من الآثام.
وقيل: هو في موضع رفع على إضمار مبتدأ، والتقدير: الأمر ذلك.
{ وَأَنَّ ٱللَّهَ }، "أن" في موضع خفض عطفاً على "ما".
أو في موضع نصب على حذف حرف الجر.
أو في موضع رفع نَسَقاً على: { ذٰلِكَ }.
أو على إضمار مبتدأ، والتقدير: وذلك أنَّ الله.