خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١٠٧
-التوبة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً }، الآية.
من قرأ: { ٱلَّذِينَ } بالواو، فهو في موضع رفع، والخبر محذوف، والمعنى: ومنهم الذين، مردود على:
{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ } [التوبة: 101].
وقيل: هو مردود على { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ }، (والَّذِينَ اتَّخّذُوا مَسْجِداً).
ومن قرأ { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } بغير واو، فهو في موضع بالابتداء، وفي الخبر تقديران:
قال الكسائي الخبر: { لاَ تَقُمْ فِيهِ }، أي: لا تقم في مسجدهم.
وقيل الخبر: { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ }، وهذا أحسن.
{ ضِرَاراً } مصدر، وإن شئت مفعولاً من أجله.
ومعنى الآية: إنّ اثني عشر رجلاً من المنافقين كلهم ينتمون إلى الأنصار، ويعتدون إلى بني عوف، يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر، بنوا مسجداً ضراراً بمسجد "قُباء"، وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، قبل خروجه إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله قد بنينا مسجداً لذِي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأْتينا فتصلي لنا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني على جَنَاحِ سَفَرٍ وشُغْل، ولو قد قدمنا، إن شاء الله، أتيناكم فصلينا لكم فيه. فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم، راجعاً [من سفره]، بقرب المدينة، بلغه الخبر، فأرسل قوماً لهدمه، فَهُدم وأُحْرِق.
ومعنى { ضِرَاراً } أي: ضِرِاراً لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفراً بالله، لمخادعتهم النبي عليه السلام.
{ وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.
يريدون أن يتفرق جماعة المسلمين في صلواتهم.
{ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن [قَبْلُ] }.
أي: إعداداً له، وهو أبو عامر الذي كان حَزَّبَ الأحزاب لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما خذله الله عز وجل، لحق بالروم، يطلب النصر من ملكهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب إلى أهل مسجد الضِّرار، وأمرهم ببناء المسجد الذي بنوه ليصلي لهم فيه، إذا رجع.
{ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ }.
أي: يحلف من بناه ما أردنا بذلك إلا الخير، والرفق بالمسلمين في المطر، والتوسعة على الضعفاء، { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }، في قولهم ذلك، بل بنوه لتفريق المؤمنين.
قال ابن عباس: وجه أبو عامر إلى ناس من الأنصار أن يبنوا مسجداً، ويستعدوا ما يستطيعون من قوة ومن سلاح، وقال لهم: إني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتى بجند من الروم، فأخرج محمداً وأصحابه.
وكان أبو عامر من الروم أصله، وكان يقول: إنه راهب، فبنوا المسجد له، ليأتي ويصلي فيه، وليكون اجتماعهم للطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه فيه. فلما فرغوا من مسجدهم، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحب أن تصلي فيه، وتدعو لنا بالبركة.
فأنزل الله / عز وجل: { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ / أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ }.
قال قتادة: لما دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي في مسجدهم دعا بقميصه ليأتي إليهم، فأطلعه الله على أمرهم.
قال الضحاك: بنوا مسجد الضرار بقُباء، وكذلك قال قتادة.
قال ابن عباس: لما بنى النبي عليه [السلام] مسجد قُباء، بنى [قوم] من الأنصار مسجداً للضِّرار، ليضاهوا به النبي عليه السلام والمؤمنين في مسجدهم.
قوله: { مِن قَبْلُ }، وقف في قراءة من قرأ: { ٱلَّذِينَ } بغير واو إن قدرت أنَّ الخبر: ومنهم الذين.
وإن قدرت أن يكون { لاَ يَزَالُ } الخبر، أو { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً }، لم يجز الوقف على: { مِن قَبْلُ }.
و { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } وقف، وكذلك يقدر جميع هذه الآية.