تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: {ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ}، إلى قوله: {هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ}.
هذا الكلام متصل بقوله: { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ } [التوبة: 56]، أي: ليسوا من المؤمنين، ولكن {بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ}، أي: متشابهون في الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وقبض أيديهم عن الجهاد..
{نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}.
أي: تركوا الله فتركهم، أي تركوا أمره، فتركهم من رحمته وتوفيقه.
{إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
أي: هم الخارجون عن الإيمان بالله ورسوله، عليه السلام.
وعدهم الله: {نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا}، أبداً، أي: ماكثين، لا يحيون ولا يموتون.
{هِيَ حَسْبُهُمْ}.
أي: كافيتهم عقاباً على كفرهم.
{وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ}.
أي: أبعدهم من رحمته.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}.
أي: للفريقين من أهل الكفر والنفاق {عَذَابٌ مُّقِيمٌ}، أي: دائم لا ينقطع ولا يزول.
{هِيَ حَسْبُهُمْ}، وقف عند نافع.
وقوله: {كَٱلَّذِينَ}.
في موضع نصب نعت / لمصدر محذوف، والمعنى: وعد الله هؤلاء بكذا وعداً، كما وعد الذين من قبلهم.
فعلى هذا لا يوقف على ما قبل "الكاف".
ومثله: {كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ}، [أي: خوضاً كما الذي خاضوا].
والمعنى عند الطبري: قل لهم، يا محمد، {أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ}، {كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}، فعلوا كفعلكم، فأهلكهم الله، وأعد لهم العقوبة والنكال في الآخرة، فقد {كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ [قُوَّةً]}، أي: بطشاً، وأكثر منكم أموالاً، {فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ}، أي: بنصيبهم من دنياهم، كما استمتعتم، أيها المنافقون، {بِخَلاَقِكُمْ}، أي: بنصيبكم من دنياكم، {وَخُضْتُمْ} مثل خوضهم.
وهذا يدل على أن "الكاف" في موضع نصب، نعت لمصدر "يستهزءون".
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا المعنى: "لتأخُذنَّ كما أخذت الأُمم من قبلكم، ذراعاً بذراع، وشبراً بشبر، وباعاً بباع، حتى لو أنَّ أحداً دخل جُحْرَ [ضَبٍّ] لَدَخَلْتُمُوه" ، رواه عنه أبو هريرة:
ثم قال أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: {كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}، الآية.
قال أبو هريرة: "الخَلاَق": الدِّينُ.
{أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ}.
يعني الذين قالوا: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}، ركبوا فعل من سبقهم من الأمم الهالكين.
ومعنى: {حَبِطَتْ}: بطلت {وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ}.
أي: المغبونون صفقتهم، لبيعهم نعيم الأبد بعرض الدنيا اليسير منه.