قوله: {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}، إلى قوله: {ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ}.
المعنى: {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ}، أي المصدقون بالله، عز وجل ورسوله عليه السلام {(يَأْمُرُونَ) بِٱلْمَعْرُوفِ}، أي: يأمرون الناس بالإيمان بالله عز وجل، ورسوله عليه السلام.
وينهونهم عن الكفر، والمنافقون [هُمْ] / بضد ذلك، ينهون عن الإيمان، ويأمرون بالمنكر، وهو الكفر بالله، عز وجل، وبرسوله عليه السلام.
قال أبو العالية: كل ما ذكر الله عز وجل، في القرآن من "الأمر بالمعروف" هو دعاء لمن أشرك إلى الإسلام، وما ذكره من "النهي عن المنكر" فهو النهي عن عبادة الأوثان والشياطين.
{وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ}.
يعني: الصلوات الخمس، في أوقاتها وبحدوها.
{وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ}.
يعني: المفروضة في وقتها.
{وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ}.
يعني فيما أمرهم به، ونهاهم عنه.
{أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ [ٱللَّهُ]}.
أي: يتعطف عليهم، فينجيهم من عذابه، ويدخلهم جناته.
ثم قال تعالى: {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ}.
والمعنى: وعد الله النساء والرجال من المؤمنين بساتين. {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} (أبداً).
أي: ماكثين لا يزول نعيمهم ولا ينقطع، {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً}، أي: منازل يسكنونها.
قال الحسن: سألت أبا هريرة وعمران بن حصين عن: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}، فقالا: على الخبير سقَطْتَ، سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "قصر في الجنة من لؤلؤة، فيه سبعون داراً من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراءَ، في كل بيت سبعون سريراً".
ومعنى {جَنَّاتِ عَدْنٍ} عند ابن عباس، أي: "معدن الرجل" الذي يكون فيه.
وقيل المعنى: جنات إقامة وخلود.
والعرب تقول: "عَدَنَ فلانٌ بِمَوْضِعِ كَذَا"، إذا أقام به.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "لا يدخلها إلا النبيّون والصديقون والشهداء" .
وقال كعب: {جَنَّاتِ عَدْنٍ}، هي الكروم والأعناب، السريانية. يعني أن لغة العرب وافقت السريانية في هذا الكلام.
وقال ابن مسعود: {جَنَّاتِ عَدْنٍ}، هي اسم لبُطْنَان الجنة، يعني وسطها.
وقال الحسن: هو اسم لقصر في الجنة من ذهب لا يدخله إلا نبي أو صِدّيقٌ، أو شهيد أو حَكَمٌ عَدْلٌ.
وروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله عز وجل، يفتح الذكر لثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولى [منهن]، ينظر في الكتاب الذي لا ينظره غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت. ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنات عدن، وهي داره التي لم يرها غيره، ولم تخطر على قلب بشر" .
وقال الضحاك: {جَنَّاتِ عَدْنٍ}، مدينة في الجنة، فيها الرسل، والأنبياء، والشهداء، وأئمة الهدى، والناس حولهم بعد، والجنات حولها.
وقال عطاء {عَدْنٍ}: نهر في الجنة جنَّاته على حافتيه.
ثم قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ}.
[أي: أكبر] من ذلك كله، رضوان الله عز وجل، عن أهل الجنة.
قال أبو سعيد الخدري: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله عز وجل، يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبّيك ربَّنا وسَعْدَيكَ، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، لقد أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحداً من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك. فيقولون: يا ربّ، وأيُّ شيء أفضل من ذلك، فيقول: أُحِلُّ لكم رضواني فلا أسْخَطُ عليكم أبداً" .
ومن أجل تفضيل الرضوان على ما قبله مما وعدوا به، انقطع الكلام، وابتدأ بالرضوان، فرفع.
ثم قال تعالى: {ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ}.
أي: هذه الأشياء التي / وعدوا بها، وهي الظفر الجسيم.
{جَنَّاتِ عَدْنٍ}، وقف.
{أَكْبَرُ}، وقف.