وكيف لا يراقبكم ويحافظ عليكم { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ } أي: يمكنكم على السير والسياحة { فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ليجرب إخلاصكم وتقوالكم، ورسوخكم في الإيمان { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ } أي: السفن { وَجَرَيْنَ } الجواري { بِهِم } أي: بمن في السفن { بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } معتدلة، موافقة لسيرها { وَفَرِحُواْ بِهَا } ويجريها على مرادهم { جَآءَتْهَا } بغتة { رِيحٌ عَاصِفٌ } شديدة الهبوب، مزلزلة لها { وَ } من شدة هبوبها وتحركها البحر { جَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ } مثل الجبال الرواسي { مِن كُلِّ مَكَانٍ } أي: جانب وجهة { وَظَنُّوۤاْ } من غاية ارتفاع الأمواج المتتالية { أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } أسباب الأهلاك لتقع عليهم وتستأصلهم، وحينئذٍ { دَعَوُاْ ٱللَّهَ } ملتجئين متضرعين { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي: مقتصرين الإطاعة والانقياد له؛ إذ لا تعارضه حينئذٍ الأهواء الفاسدة والآراء الباطلة، قائلين: { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا } يا ربنا بفضلك وجودك { مِنْ هَـٰذِهِ } البلية المحيطة بنا { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [يونس: 22] لنعمك المتذكرين دائماً لجودك وكرمك.
{ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ } إجابةً لدعائهم، وكشفنا لضرهم وبلائهم { إِذَا هُمْ } يفاجئون إلى الكفران ويسارعون إلى الطغيان، حيث { يَبْغُونَ } ويطلبون الفساد { فِي ٱلأَرْضِ } المعدة للعبادة والصلاح { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي: بلا رخصة شرعكية، بل عن بغي وعناد، التفت سبحانه من الخطاب إلى الغيبة؛ تنبيهاً على بعدهم وطردهم عن ساحة عز الحضور، لذلك أبعدهم بالغيبة بعدما قربهم بالخطاب.
ثم قال سبحانه: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } الناسين نعمة الإنجاء والخلاص عن ورطة الهلاك { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ } وكفرانكم الذي فاجأتم به، بدل الشكر والإطاعة في النشأة الأولى وبال عائد { عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } في النشأة الأخرى؛ إذ { مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي: التمتع بلذاتها وشهواتها، والركون إلى مزخرفاتها قليل حقير ونزر يسير؛ لا ينبغي للعاقل أن يترك الباقي لأجل الفاني، واللذة الروحانية الدائمة المستمرة للذة الجسمانية المتناهية القصيرة { ثُمَّ } بعد انقضاء النشأة الأولى { إِلَينَا } لا إلى غيرنا؛ إذ لا غير معنا { مَرْجِعُكُمْ } ومصريكم رجوع الأضلال والأضواء والعكوس إلى الشمس { فَنُنَبِّئُكُمْ } أي: نخبركم ونعمل بكم { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [يونس: 23] أي: بمقتضى عملكم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.