خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٥٤
أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٥
هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٥٦
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
٥٧
قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
٥٨
-يونس

تفسير الجيلاني

{ وَ } كيف تسقطون عذاب الله عنكم لو فرض { لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ } وخرجت عن مقتضى أوامر الله ونواهيه { مَا فِي ٱلأَرْضِ } أي: خزائن ما فيها جميعاً { لاَفْتَدَتْ بِهِ } بل أضعافه وآلافه لو فرض قبول الفدية منها { وَ } بعد افتدائهم هذه { أَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } أي: بهتوا حين عاينوا العذاب وأهوالها، وندموا عما افتدوا بمقابلته، وآيسوا عنها مطلقاً { وَ } لم ينفعهم الفدية أصلاً بل { قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } الإلهي ومقتضى حكومته وحكمته { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [يونس: 54] في جزاء ظلمهم وكفرهم، وكيف يتصور الظلم من الله؛ إذ الكل من أظلال أوصافه وأسمائه.
{ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ } وحيطة قدرته وعلمه { مَا } ظهر { فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَ } ما ظهر في { ٱلأَرْضِ } من الكائنات والفسادات يعذب به من يشاء عدلاً منه، ويرحم على من يشاء فضلاً { أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } الذي وعد لعباده من الثواب والعقاب { حَقٌّ } محقق ثابت لا محالة؛ إذ لا يجري الخلف في وعده أصلاً { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } لقصور فهمهم، وقلة تدبرهم في أحكامه المبرمة وحكمته المتقنة { لاَ يَعْلَمُونَ } [يونس: 55] حقية وعده، ولا يؤمنون بها جهلاً وعناداً.
وكيف يشكون ويرددون أولئك المصرون المعاندون في سعة قدرته، وتستبعدون منه إنجاز ما وعده؛ إذ { هُوَ يُحْيِـي } أي: يظهر، ويوجد بالتجلي الحبي أولاً هياكلهم وأشباحهم مع أنهم لم يكونوا شيئاً مذكوراً { وَ } بعد إظهارهم وإحيائهم { يُمِيتُ } ويعدم بالتجلي القهري على ما هم عليه من العدم { وَ } كيف لا يقدر على إعادتهم أحياء للجزاء والحساب بعد إماتتهم؛ إذ هم بجميع أمورهم وأحوالهم { إِلَيْهِ } لا إلى غيره؛ إذ لا غير في الوجود سواه { تُرْجَعُونَ } [يونس: 56] رجوع الأضواء والأظلال إلى الشمس.
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } الناسين المنشأ الأصلي والوطن الحقيقي { قَدْ جَآءَتْكُمْ } لإيقاظكم وانتباهكم { مَّوْعِظَةٌ } وتذكير { مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ } أي: تشفيه لغليلكم وأكنتكم المستكنة في صدوركم { وَهُدًى } هادياً لأرباب الغاية والوصول إلى مقر التوحيد { وَرَحْمَةٌ } عامة شاملة { لِّلْمُؤْمِنِينَ } [يونس: 57] من أصحاب البر والتقوى فعليكم أن تتعظوا وتتذكروا بأحكامه، وتتأملوا في رموزه وإشاراته، وتدبروا في مفاتحه ومطعاله، حتى تنكشفوا منه بقدر وسعكم وطاقتكم ما تنكشفوا، والله الهادي إلى جنابه من يشاء من عباده وهو العزيز الحكيم.
{ قُلْ } يا أكمل الرسل لمن تبعك إرشاداً لهم وتذكيراً: { بِفَضْلِ ٱللَّهِ } وحسن قبوله وشرف عزه وحضوره { وَبِرَحْمَتِهِ } الواسعة المتسعة لجميع مظاهره فليتشرفوا ولينكشفوا { فَبِذَلِكَ } التلذذ والحضور الحقيقي { فَلْيَفْرَحُواْ } بدل ما لم يتلذذوا ولم يفرحوا بالمستلذات الجسمانية الفانية المتناهية { هُوَ } أي: فرحكم وسروركم الروحاني { خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58] من أهوية نفوسكم ومقتضيات هوياتكم إن كنتم موقنني مخلصين.