{ وَٱتْلُ } يا أكمل الرسل { عَلَيْهِمْ } تذكيراً وتعريضاً { نَبَأَ نُوحٍ } أي: قصته مع قومه وقت { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } حين استعظموا أمره وقصدوا إهلاكه عناداً ومكابرة: { يٰقَوْمِ } أضافهم إلى نفسه على مقتضى شفقة النبوة { إِن كَانَ كَبُرَ } أي: شق وعظم { عَلَيْكُمْ مَّقَامِي } فيكم، وحياتي بينكم { وَتَذْكِيرِي } إياكم { بِآيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على توحيده واستقلاله في ألوهيته وربوبيته { فَعَلَى ٱللَّهِ } لا على غيره؛ إذ لا غير معه لا شيء سواه { تَوَكَّلْتُ } أي: وثقت به وفوضت أمري إليه { فَأَجْمِعُوۤاْ } أي: فعليكم أن تجمعوا { أَمْرَكُمْ } وتدابيركم في قتلي وإهلاكي { وَ } مع ذلك اجعوا { شُرَكَآءَكُمْ } مستظهرين لهم في دفعي { ثُمَّ } بعد تدبيركم واستظهاركم بهم أظهورا عليَّ بحيث { لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ } أي: لم يبقَ فيه { عَلَيْكُمْ غُمَّةً } سترة تغتمو بها وتحزنون بسببها، بل رتبوا أمركم على ما تقتضيه نفوسكم وترتضيه عقولكم { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ } واصرفوا نحوي ما هيأتم ودبرتم من الأسباب الموجبة لإهلاكي { وَلاَ تُنظِرُونَ } [يونس: 71] أي: لا تمهلوني طرفة بل امضوا على ما أنتم عليه من قتلي وإهلاكي، فإني لا أبالي بكم وبتدابيركم وظهرائكم؛ إذ الله حسبي وعليه توكلي وبه اعتمادي واعتصامي، أذكر لكم بإذنه وأعظكم بوحيه.
{ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } وانصرفتم عن تذكيري { فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ } أي: ليس بسبب توليكم وإعراضكم سؤالي منكم الجعل حتى يشق عليك إعطاؤه فانصرفتم وأعرضتم، بل { إِنْ أَجْرِيَ } أي: ما أجري وجعلي { إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } الذي أمرني به { وَأُمِرْتُ } من عنده { أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [يونس: 72] المسلمين الأمور كلها إليه، المنقادين لحكمه وقضائه؛ إذ الكل منه بدأ وإليه يعود.
ومع ذلك النصح والشفقة والتليين التام المنبعث عن محض الحكمة، والحجج والبراهين الدالة على صدقه في دعواه { فَكَذَّبُوهُ } عناداً ومكابرة، وأصروا على تكذيبه عتواً واستكباراص، فأخناهم بالطوفان؛ لانهماكهم في الغي والطغيان { فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن } آمن { مَّعَهُ } من الغرق محفوظين { فِي ٱلْفُلْكِ } التي نحتها بيده بوحي الله إياه وتعليمه، وهم قد استهزؤوا معه حين اشتغل بتربيتها { وَجَعَلْنَاهُمْ } أي: أصحاب الفلك { خَلاَئِفَ } من الهالكين، وهم ثمانون مؤمنون بالله مصدقون لرسوله { وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱنْظُرْ } أيها المعتبر الرائي { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } [يونس: 73] المكذبين لنذيرهم؟ وإلى أين أدى إنكارهم واستكبارهم؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار.