خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٩٠
آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ
٩١
فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ
٩٢
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٩٣
فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
٩٤
وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٩٥
-يونس

تفسير الجيلاني

{ وَ } بعدما تمرنوا بالصبر واستقاموا على ما أُمروا مختبئين، فازوا بما ناجوا وطلبوا مؤملين حين { جَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } أي: عبرناهم من البحر سالمين، وذلك حين هم فرعون وملأه أن يكبوا على بني إسرائيل ويستأصلوهم بالمرة، فأوحينا إلى مومسى أن أسر بعبادي ليلاً فأسرى بهم، فأخبروا فخرجوا على الفور، فأدركوهم على شاطئ البحر فأوحينا إلى موسى بضرب العصا فضرب، فانفلق وافترق فرقاً، فعيروا سالمين، فلمَّا أبصروا انفلاق البحر وعبورهم سالمين { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } فاقتحموا في البحر بلا مبالاة وتأمل { بَغْياً وَعَدْواً } ظلماً وزوراً، علواً واستكباراً، فاجتمع البحر وعاد على ما كان فغرقوا { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ } أي: فرعون { ٱلْغَرَقُ } وآيس من حياته وجزم ألان نجاة له أصلا { قَالَ } في حالة الاضطرار، مصرخاً صائحاً باكياً، راجياً الخلاص بمجرد الإقرار: { آمَنتُ } واعترفت{ أَنَّهُ } أي: بأنه { لاۤ إِلِـٰهَ } يعبد بالحق { إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [يونس: 90] المنقادين لما جاء به رسوله.
وحين تفوه بها، هتف هاتف من وراء سرادقات العز والجلال قائلاً: { آلآنَ } أيها الطاغي الغاوي الباغي آمنت حين انقرض وقت الإيمان وانقضى زمانه { وَقَدْ } أخذت على ما { عَصَيْتَ قَبْلُ } في مدة حياتك { وَكُنتَ } في زمان طغيانك وعصيانك الذي هو زمان الإيمان والعرفان { مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [يونس: 91] بأنواع الفسادات لا من المؤمنين؟!.
{ فَٱلْيَوْمَ } لا ينفعك إيمانك { نُنَجِّيكَ } نخرجك من البحر { بِبَدَنِكَ } بلا روح ونسقطك على الساحل عرياناً { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ } من المتجبرين المتكبرين { آيَةً } زاجرة وعبرة رادعة عن العتو والعناد، صارفة عن الجور والفساد { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } الناسين عهودنا وميثاقنا الذي عهدنا معهم في لوح قضائنا { عَنْ آيَاتِنَا } الدالة على أخذنا وانتقامنا { لَغَافِلُونَ } [يونس: 92] مثلك أيها الطاغي.
{ وَ } بعددما أهلكنا فرعون وملأه { لَقَدْ بَوَّأْنَا } أي: مكنَّا وأسكنا { بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } أي: مقعد صدق وموضع ثبوت واستقرار وتمكين على ما تقتضيه نفوسهم وترتضيه عقولهم { وَ } بعد تمكينهم وتوطينهم { رَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي: أطياب الأغذية والفواكه ولذائذها { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ } في أمر دينهم قبل نزول الكتاب، بل هم متفقون مجتمعون على ما بلغهم رسولهم وهداهم إليه { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } وأنزل عليهم الكتاب، فاختلفوا فيه وتفرقوا فرقاً تحزبوا أحزاباً، وانحرفوا عن طريق الحق وحرفوا الكتاب، سيما نعتك وحليتك وأوصافك يا أكمل الرسل { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ } ويحكم عليهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [يونس: 93] أي: يفصل بينهم، ويميز محقهم من مبطلهم بالإثابة والعقاب.
{ فَإِن كُنتَ } يا أكمل الرسل { فِي شَكٍّ } وريب { مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } في كتابك من قصصهم وأخبارهم { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } وارجع إليهم لإزالة شكك وحل شبتهك، وتفحص عنهم حتى تنكشف لك ويتحقق عندك { لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن } عند { رَّبِّكَ } الصريح المطابق للواقع { فَلاَ تَكُونَنَّ } فيه { مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [يونس: 94] إذ ليس هذا محلاً للشك والارتياب؛ إذ
{ لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [فصلت: 42] لأنه تنزيل من حكيم عليم.
وبعدما سمعت ما سمعت { وَلاَ تَكُونَنَّ } ألبتة { مِنَ } المسرفين { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على كمال قدرته ومتانة علمه وحكمته { فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [يونس: 95] الساقطين عن مرتبة الخلافة، النازلين عن درجة أهل المعرفة والتوحيد.
وأمثال هذه الخطابات والعتابات من الله العليم الحيكم لحبيبه الذي ظهر على الخلق العظيم، وتمكن على الصراط المستقيم، إنما هو حث وترغيب للمؤمنين على ملازمة كتاب الله ومحافظة أوامره ونواهيه، وتثبيت لهم في إيماهم وتصديقهم.