{وَ} بعدما تناسل قوم نوح وتكاثرت أمم منهم، فاستكبروا عن طريق التوحيد واتخذوا الأصنام والأوثان آلهة، أرسلنا {إِلَىٰ عَادٍ} العادين عن طريق الحق، المتجاوزين عن صراط التوحيد ظلماً وعدواناً {أَخَاهُمْ هُوداً} ليهديهم إلى طريق الحق وصراط مستقيم {قَالَ} بعدما أوحينا إليه آذنا له بتذكير قومه: {يٰقَوْمِ} أضافهم إلى هفسه تحنناً و إشفاقاً على ما هو مقتضى الإرشاد {ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ} الواحد الأحد الصمد الذي لا إله إل هو واعتقدوا {مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ} يعبد بالحق ويرجع إليه ما في الأمور {غَيْرُهُ} إذ لا موجود سواه ولا إله إلا هو {إِنْ أَنتُمْ} أي: ما أنتم بعدما ظهر الحق باتخاذ الأوثان آلهة غيره {إِلاَّ مُفْتَرُونَ} [هود: 50] مبطلون في اتخاذها افتراء ومراء.
{يٰقَوْمِ} اسمعوا قولي واتعظوا به وامضوا بمقتضاه واقبلوا نصحي؛ إذ {لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} ولا أطلب منكم عوضاً، بل أنا مأمور بالتبليغ والتذكير من عند العليم الخبير {إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ} أي: بعثني بالإرشاد والإهداء، أتشكون في أمري وتترددون في شأني وتذكيري ونصحي؟ {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [هود: 51] وتستعملون عقولكم في أفعالكم القبيحة وأعمالكم الفاسدة الناكبة عن طريق الاعتدال الذي هو صراط الله الأقوم الأعدل؟!.
{وَ} بعدما ازدادوا الإصرار والاستكبار، أخذهم الله بعقم الأرحام والأمطار فاضطروا، قال هود عليه السلام: {يٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ} من فرطاتكم وهفواتكم، واطلبوا المغفرة والنجاة منه {ثُمَّ تُوبُوۤاْ} واسترجعوا {إِلَيْهِ} نادمين مخلصين {يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ} بأمر الله تفضلاً وامتناناً {مِّدْرَاراً} أمطاراً كثيرة على سبيل التتابع والإدرار {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ} أي: يضاعف أولادكم التي هو قوة ظهوركم {وَ} عليكم أن {لاَ تَتَوَلَّوْاْ} على الله حال كونكم {مُجْرِمِينَ} [هود: 52] معرضين وعن رسله مصرين على ما أنتم عليه.
{قَالُواْ} بعما سمعوا منه ما سمعوا: {يٰهُودُ} نادوه استحقاراً له واستكباراً عليه {مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} واضحة مثبتة لدعواك حتى نقبل منك قولك {وَ} بعدما لم تجيء إلينا بالبينة الملجئة ما كان نعتقدك صادقاً صدوقاً ثقة حتى نقبل قولك بلا بينة، اترك ما أنت عليه من الدعوة الفاسدة؛ إذ {مَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا} التي وجدنا آباءنا لها عاكفين {عَن قَوْلِكَ} أي: عن مجرد دعواك لا بينة ودليل {وَ} بالجملة: {مَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [هود: 53] مصدقين لك بلا شاهد وبينة.