{وَ} حين أردنا أخذهم {لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ} أي: الملائكة المأمورون لإهلاك قوم لوط {إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ} والبشارة بالولد بعدما آيس هو وزوجته عن التوالد والتناسل {قَالُواْ} له حين لاقوه: {سَلاَماً} أي: نسلم سلاماً عليكم ترحيباً منا عليك {قَالَ سَلاَمٌ} عليكم دائماً مستمراً أيها المستحقون للتحية والترحيب {فَمَا لَبِثَ} وسكن بعد نزولهم إلى {أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69] مشوي؛ ضيافة لهم ونزلاً لقدومهم ووضع بين أيديهم، فانصرفوا عنه ولم يمدوا أيديهم نحوه.
{فَلَمَّا رَأَى} إبراهيم {أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ} ولا يتناولون منه كما هو عادة المسافرين {نَكِرَهُمْ} أي: أنكر منهم عدم أكلهم؛ لأن الامتناع من الطعام دليل على قصد المكروه لصاحبه {وَأَوْجَسَ} أي: أضمر {مِنْهُمْ خِيفَةً} خوفاً ورعباً حتى أحسوا منه الخوف وعلامات الرعب {قَالُواْ} تسلية وتسكيناً: {لاَ تَخَفْ} منا {إِنَّا} وإن كنا من أهل الإنذار والإهلاك {أُرْسِلْنَا إِلَىٰ} إهلاك {قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70] ما لنا معك شغل.
{وَ} حين قالوا له ما قالوا {ٱمْرَأَتُهُ} أي: سرة حاضرة {قَآئِمَةٌ} لخدمة الأضياف {فَضَحِكَتْ} بعدما سمعت قولهم فرحاً وسروراً؛ لأنها كانت تقول لإبراهيم: اضمم إليك لوطاً، فإني أعلم أن البلاء ينزل على هؤلاء المسرفين {فَبَشَّرْنَاهَا} أي: سارة تفضلاً وامتناناً {بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ} ولده {يَعْقُوبَ} [هود: 71] أبا الأنبياء.
{قَالَتْ} بعدما سمعت التبشير مستحية مستغربة: {يَٰوَيْلَتَىٰ} أي: يا هلكتي وفضيحتي {ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ} قد مضت علي تسع وتسعون سنة {وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً} فانياً ابن مائة وعشرين سنة {إِنَّ هَـٰذَا} أي: التوالد بيننا {لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود: 72] غريب خارق للعادة إن وقع.
{قَالُوۤاْ} إزالة لشكها وتعجبها: {أَتَعْجَبِينَ} أي: تستبعدين {مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ} القادر المقتدر بالقدرة الكاملة أمثال هذا؛ أي: التوالد بين الهرمين تفضلاً وامتناناً مع أنها {رَحْمَتُ ٱللَّهِ} أي: أنواع فضله وجوده {وَبَرَكَاتُهُ} أي: خبراته الكثيرة النالزة {عَلَيْكُمْ} يا {أَهْلَ ٱلْبَيْتِ} يا أهل بيت الخلة والنبوة {إِنَّهُ} سبحانه في ذاته {حَمِيدٌ} يفعل ما يوجب الحمد له {مَّجِيدٌ} [هود: 73] محسن كثير الإحسان والإنعام المستجلب لأنواع المحامد والأثنية.
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ} أي: الخوف والرعب بستيلة الرسل إياه {وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ} بما لا ترقب له فيه أخذ {يُجَادِلُنَا} أي: يجادل مع رسلنا ويناجي معنا {فِي} حق {قَوْمِ لُوطٍ} [لوط: 74] وأخذنا إياهم.؟
وما حمله على المجادلة والمناجاة في حقهم إلا فرط إشافقه ورقة قلبه {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} في نفسه {لَحَلِيمٌ} غير عجول على الانتقام، كظيم الغيظ والغضب {أَوَّاهٌ} كثير التأوه والتأسف من الذنب الصادر عنه {مُّنِيبٌ} [هود: 75] رجاع إلى الله في جميع حالاته، فقاس حالهم على نفسه، فأخذ يجادل في حقهم؟
قال الرسل بوحي الله إياهم: {يَٰإِبْرَٰهِيمُ} المتحقق بمقام الخلة {أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ} الجدال، وانصرف عن مدافعة كلام الله المبرم {إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ} وثبت منه سبحانه الحكم بهلاكهم حتماً مبرماً، ولا تنفعهم مجادلتك وممانعتك {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ} عن قريب {عَذَابٌ} حتم {غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: 76] بتقويتك وحمايتك.