خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٣٠
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ
٣١
قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ
٣٢
-يوسف

تفسير الجيلاني

{ وَ } بعدما شاع أمرهما وانتشر قصتهما بين الأنام { قَالَ نِسْوَةٌ } جماعة من النساء من صناديدهن { فِي ٱلْمَدِينَةِ } على جه التشنيع والتقريع: { ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ } تخادع وتحتال { فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ } طلباً لمواقعته إياها ومجامعته معها؛ لأنها { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } أي: دخل عن جميع شغاف قلبها وشقوقه، فصار قلبها ممتلئاً بمحبته وعشقه؛ لذلك راودته فامتنع عنها وافضحها { إِنَّا لَنَرَاهَا } بقبح فعلها وسوء صنيعها { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [يوسف: 30] من لحوق العار وفشو الفضيحة، سيما مع الرقيق وكسر عرض العزيز بن الأنام.
{ فَلَمَّا سَمِعَتْ } راعيل { بِمَكْرِهِنَّ } وغيبتهن وتخطئتهن خفية { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } قواصد؛ ليدعوهن على سبيل الضيافة { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ } اي: هيأت لكل واحدة منهم في بيتها { مُتَّكَئاً } على حدة ليتكئن عليها على ما هو عادة بلدتهم، ووضعت عند كل متكأ طبقاً من الفواكة مثل الكمثرى والتفاح وغيرهما { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ } أي: على عدد رءوسهن { سِكِّيناً } في غاية الحدة والمضاء، وبعد تهيئة أماكنهن على الوجه المذكور جئن وجلسن عليها واشتغلن بأكل الفواكه وتنقية قشورها بالسكين { وَ } بعد ذلك { قَالَتِ } راعيل ليوسف: { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } فخرج { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي: كبرن الله برؤية جماله وحسنه البديع وبهائه؛ إذ يتشعشع ويلمع ضوء وجهه على الجدار مثل الشمس والقمر.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"رأيت يوسف الصديق عليه السلام للة المعراج كالقمر ليلة البدر" .
ومن كمال حيرتهن على حسنه وجماله بهتن بأجمعهن { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } بالسكاكين أي: كل بسكينها { وَ } بعدما أفقن { قُلْنَ } مستبعدات مستغربات { حَاشَ لِلَّهِ } أي: تنزه ذاته أن يعجز عن خلق مثله، غير أنه { مَا هَـٰذَا } الهيكل المرأي { بَشَراً } إذ لا نرى بشراً على هذه الصورة { إِنْ هَـٰذَآ } أي: بل ما هذا المشاهد المحسوس { إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } [يوسف: 31] نجيب مجسم من الروح لا من الطين.
وبعدما تفرست راعيل منهن ما تفرست من كمال الحيرة والحسرة والوله والهيمان برؤيته { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ } أي: فهذا ذلك العبد الكنعاني { ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } أي: في مراودته والافتتان به وبمحبته { وَ } لما رأت راعيل ما رأت من نفسها بل أشد منها، أقرب عندهن ما فعلت معه؛ لتستعين منهن ويحلتن في تليين قلبه، فقالت منحسرة: { لَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ } مراراً كثيرة { فَٱسَتَعْصَمَ } وأبى عن القبول من كمال عفته وعصمته { وَ } الله { لَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ } أي: ما أنا آمر به من المواقعة والمجامعة، ولمي يقبل قولي ولم يقضي حاجتي { لَيُسْجَنَنَّ } أيك ليسجننه { وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } [يوسف: 32] الذليلين المهانين، الباقين ي السجن مدة مديدة.
فلما قالت راعيل ما قالت وأقسمت، التفتن بأجمعهن على إعانتها وإنجاح مرادها منه وألحن، واقترحن على يوسف بقبول قولها والإتيان بمطلوبها إلحاحاً بليغاً، بل أضمرن في أنفسهن كل منهن إتيانه عليهن بمقتضى النساء.