خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ
٨٧
فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ
٨٨
قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ
٨٩
قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٩٠
-يوسف

تفسير الجيلاني

ثم لما استروح يعقوب من روح الله واستنشق من نسمات رحمته، نادى بنيه نداء مرحمة وإشفا؛ ليقبلو إليه بعدما آيسوا عنه وعن عطفه؛ إذ بالغوا في سوء الأدب معه وإيقاعه بانواع المحن والشدائد، فقال: { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ } إلى مصر مرة أخرى { فَتَحَسَّسُواْ } أي: تفحصوا وتطلبوا أصالة { مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ } بنيامين تبعاً { وَلاَ تَيْأَسُواْ } أي: لا تقنطوا يا بني { مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } وتنفيسه تفريجاً لهم؛ إذ نحن معاشر الأنبياء لا يليق بنا اليأس والقنوط عن كرم الله وجوده في حال من الأحوال { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ } أي: لا يقنط { مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } وكمال قدرته وسعة جوده { إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [يوسف: 87] الساترون بغيوم هوياتهم الباطلة شمس الحق السارية المتجلية في الآفاق الفائضة عليهم سجال الفضل والكرم على مقدار قابلياتهم واستعدادتهم.
فعليكم ألا تقنطوا من الله في حال من الأحوال، بل اعتقدوا أن له التصرف والقدرة التامة والإرادة الكاملة على ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ثم لما صمموا العم بالخروج إلى مصر كرة أخرى بإذن أبيهم وخرجوا من عنده وساروا إلى أن وصلوا مصر { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } أي: على يوسف { قَالُواْ } أولاً: { يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } أي: الجدب وشدة الجوع { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } قليلة رديئة { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } وتممه لنا من جاهك وإحسانك { وَ } قالوا ثانياً: { تَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } برد أخينا لنرده إلى أبيه المحزون، فإنه قد أشرف على الهلاك من شدة الحزن والأسف { إِنَّ ٱللَّهَ } المجازي عن أعمال عباده { يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } [يوسف: 88] المؤمنين منهم جزاءً حسناً، لا جزاء أحسن منه.
ثم لما سمع يوسف من أسف أبيه وشدة كربه وكآبته وأبيضاض في عينيه وهزال جمسه وإشرافه على الانهدام والانخرام، شرع يظهر أمره عليهم حيث { قَالَ } تفضيحاً لهم وتقريعاً: { هَلْ عَلِمْتُمْ } أيها المفسدون قبح { مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } من الزجر والإذلال والضرب والشتم وأنواع المكروهات والمذمومات، سيما ما شريتموه بثمن بخس دراهم معدودة لتبعدوه عن وجه أبيه، وتطردوه عن ساحة عز حضوره { إِذْ أَنتُمْ } قوم { جَاهِلُونَ } [يوسف: 89] بألاَّ مرد لقضاء الله، ولا معقب لحكمه، بعفل ما يشاء ويحكم ما يريد، فاجتهدتم لهدم بناء الله وتغيير مراده ورد قضائه مبارزة عليه وخروجاً بين يديه.ط
وبعدما سمعوا منه ما سمعوا { قَالُوۤاْ } مخبتين خاضعين متذليين بعدما عرفوه مستفهمين على سبيل التقرير والتثبيت: { أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ } أيها العزيز { قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ } بن يعقوب الذي فعلتم به ما فعلتم { وَهَـٰذَا أَخِي } بنيامين من أبي وأمي { قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ } بأنواع الكرم والإحسان، ووقانا عما قصدتم علينا من السوء والإذلال وأنواع الوبال والنكال { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ } عن محارم الله وعما لا يرضى به الله { وَيَِصْبِرْ } على ما جرى عليه من القضاء { فَإِنَّ ٱللَّهَ } الرقيب المطلع لأحوال عباده { لاَ يُضِيعُ } أي: لا يهمل ولا ينقص { أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [يوسف: 90] الذين يحسنون الأدب مع الله ويعبدونه كأنهم يرونه.