خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ
٩١
قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٩٢
ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ
٩٣
وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ
٩٤
قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ
٩٥
-يوسف

تفسير الجيلاني

ثم لما ظهر عليهم ما ظهر من الفضيحة والشناعة وأنواع الندامة والكآبة { قَالُواْ } متضرعين، مستحيين، متذللين، مقسمين على سبيل التثبيت والتقرير { تَٱللَّهِ } يا أخانا { لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ } واصطفاك { عَلَيْنَا } وأراك في المنام ما أراك من سجود الشمس والقمر والكواكب المعتبرة، وكفاك هذا دليلاً على نجابتك واختيارك علينا، مع أن أبانا قد علم منك ما علم من الرشد وكمال العلم والفضل؛ لذلك آثرك علينا محبة وعطفاً { وَ } بالجملة: { إِن كُنَّا } أي: إنَّ كنا { لَخَاطِئِينَ } [يوسف: 91] إذلالك وإرادة إهلاكك وضربك وإيذائك، وفي إبطال إرادة الله ومشيئته وكما حكمته وقدرته، وفي إيذاء أبينا بمفارقتك عنه وإيقاعه بأنواع البليات والنكبات إلى حيث ابيضت كريمتاه من فراقك، فالآن ألأمر بيدك وإنَّا مجرمون، معترفون بأنواع الجرائم، فلك الاختيار، وعلينا الحسرة والندامة وأنواع الكآبة والسآمة.
ثم لما رأى يوسف منهم ما رأى من الندامة المفرطة والخجل والخذلان وأنواع الخيبة والخسران { قَالَ } لهم؛ تسلية عليهم وتزكية لنفسه بمقتضى نجابة طينته: { لاَ تَثْرِيبَ } أي: لا تقريع ولا توبيخ { عَلَيْكُمُ } مني في حال من الأحوال سيما { ٱلْيَوْمَ } الذي أنتم تعتذرون فيه وتستغفرون عني، فاعلموا أني عفوت لكم ما لي من الحقوق عليكم، وأبرأت ذمتكم عنها، بل { يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ } بعدما استغفرتم إليه مخصلين { وَهُوَ } سبحانه في ذاته { أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [يوسف: 92] لأن رحم جميع الرحماء من ظل رحمته التي وسعت كل شيء.
وبعد تسليمهم وعفوهم وإخزاء الرعب عن خواطرهم، أمرهم بالذهاب إلى أبيهم المحزون؛ ليخلص عما عليه من الحزن المفرط، فقال: { ٱذْهَبُواْ } يا إخوتي { بِقَمِيصِي هَـٰذَا } - وهو عليه - فأخرجه ولفه بلا تنقية وغسل { فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ } أي: يرجع ويصير { بَصِيراً } بعدما كان فاقد العينين { وَ } بعد أن يصير بصيراً صحيحاً سوياً { أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ } أي: جميع ما يسنب إليكم من النسوان والذراري والخدم والحشم { أَجْمَعِينَ } [يوسف: 93].
{ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ } أي: القافلة من عمران مصر { قَالَ أَبُوهُمْ } لمن في صحبته من المؤمنين له: { إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } [يوسف: 94] وتسفهوني أيها الحضار، وتنسبوني إل نقصان العقل والخرف لصدقتموني.
{ قَالُواْ } أي: الحضارون: { تَٱللَّهِ إِنَّكَ } بتذكير يوسف وكثرة تحضيره ببالك { لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [يوسف: 95] أي: ضلالك الذي كنت عليه زماناً مستمراً، وهو وإن سفهه الناس تزايد وجدانه، ويترقى ساعة فساعة.