خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ
٢٩
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ
٣٠
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ
٣١
-الرعد

تفسير الجيلاني

{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في أوائل سلوكهم وطلبهم { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المقربة لهم إلى مطلوبهم { طُوبَىٰ لَهُمْ } الفوز بالفلاح والنجاح { وَحُسْنُ مَآبٍ } [الرعد: 29] وهو التحقق بمقام الكشف والشهود.
{ كَذَلِكَ } أي: مثل إرسالنا الرسل على الأمم الماضية على مقتضى سنتنا القديمة { أَرْسَلْنَاكَ } يا أكمل الرسل { فِيۤ أُمَّةٍ } منحرفة عن طريق الحق، وليس إرسالك عليهم ببدع { قَدْ خَلَتْ } ومضت { مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ } أمثالهم مائلون عن طريق الحق وسواء السبيل، وإنما أرسلناك { لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ } وتبلغهم { ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } من المعارف والحقائق والآداب والأخلاق المرضية المقبولة في جنابنا، المودعة في استعدادات عبادنا؛ ليفوزوا بها سعة رحمتنا وجودنا { وَهُمْ } لانهماكهم في الغفلات والشهوات { يَكْفُرُونَ } وينكرون { بِٱلرَّحْمَـٰنِ } الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً { قُلْ } يا أكمل الرسل للمنكرين الغافلين تنبيهاً عليهم وتبليغاً، وإن كانوا من الحمقى الهالكين في تيه الغفلة والنسيان { هُوَ رَبِّي } وربكم ومولى أمري وأموركم { لاۤ إِلَـٰهَ } في الوجود يعبد له ويرجع إليه في الوقائع { إِلاَّ هُوَ } الواحد الأحد، الصمد الفرد، الذي لا شريك له { عَلَيْهِ } لا على غيره من الأظلال { تَوَكَّلْتُ } في جميع أموري { وَإِلَيْهِ } لا إلى غيره من الأسباب والوسائق { مَتَابِ } [الرعد: 30] أي: مرجعي ومعادي.
{ وَ } بالجملة: { لَوْ أَنَّ قُرْآناً } بمثابة لو قرأت { سُيِّرَتْ } وتحركت { بِهِ ٱلْجِبَالُ } عن مكانها الأصلي وأندكت { أَوْ قُطِّعَتْ } أي: انصدعت وانشقت { بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } عند قراءته عليهم واستماعهم له { بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ } أي: القدرة الكاملة والحول التام والقوة الغالبة في الأمور المذكورة { جَمِيعاً } له سبحانه، إن تعلق إرادته ومشيئته لكان ألبتة مع ذكر ما ذكر من الأمور، لم يؤمنوا به ولم يقلبوه منك؛ لشدة شكيمتهم وكمال قسوتههم { أَفَلَمْ يَيْأَسِ } ولم يقنط { ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } عن إيمان أولئك المدبرين المعاندين، مع ظهور أمارات الكفر عليهم وعلامات الإكار عنهم، سيما بعدما سمعوا في حقهم من الله ما سمعوا، ولم يعلم هؤلاء المؤمنون { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ } وتعلق إرادته بهداية الكل { لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } فلم يهدهم لعدم تعلق إرادته بهدايته البعض { وَ } لا تقنطوا أيها المؤمنون عن نصر الله إياكم على أعدائكم ولا تيأسوا عن روحه؛ إذ { لاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وأصروا على الكفر عناداً واستكباراً { تُصِيبُهُم } وتدور عليهم { بِمَا صَنَعُواْ } أي: بصنيهم هذا وإصرارهم عليه { قَارِعَةٌ } داهية هائلة تقرع أسماعهم، وتضطربهم اضطراباً شديداً { أَوْ تَحُلُّ } وتنزل الداهية العظيمة في أحوالهم { قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } ومساكنهم لتدور عليهم { حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ } الذي وعده لنبيه بأن ينتقم عنهم ويعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالفتح والظفر عليهم، وفي الآخرة بأنواع العقاب والنكال { إِنَّ ٱللَّهَ } المؤيد لأنبيائه، المنجز لما وعدهم من إهلاك أعدائهم { لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [الرعد: 31].