{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ} يتصرف فيهما كيف يشاء، كما يشاء، متى يشاء بلا فتورٍ ولا فطور، هذا في الآفاق {وَ} ارجعوا إلى أنفسكم، واعلموا أنه {مَا لَكُمْ} في ذواتكم وهوياتكم {مِّن دُونِ ٱللَّهِ} المحيط بكم وبجميع أوصافكم {مِن وَلِيٍّ} يولي أموركم {وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة: 107] يعين عليكم من دونه بل هو محيط هوياتكم وماهياتكم كما أخبر به سبحانه في قوله: "كنت سمعه... وبصره... ويده... ورجله..." .
أتسلمون وتفوضون أموركم إلى الله ورسوله أيها المؤمنون المسلمون، وتقبلون دين الإسلام تعبداً {أَمْ تُرِيدُونَ} وتقصدون {أَن تَسْأَلُواْ} وتقترحوا عن سرائر الآيات النازلة عليكم لإصلاحكم حالكم عناداً ومكابرة {رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ} عن الآيات النازلة لإصلاح بني إسرائيل مما نزل من آيةٍ إلا ويسألوه على وجه الإلحاح والاقتراح، فيجازيهم الله على مقتضى اقتراحهم، وإن اقترحتم كما اقترحوا يجازيكم الله كما جازاهم {وَ} اعلموا أن {مَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ} الموهوم المذموم {بِٱلإِيمَانِ} المحقق المجزوم {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} [البقرة: 108] طريق الحق المستقيم الموصل إلى التوحيد كما ضل بنو إسرائيل بمخالفة كتاب الله وتكذيب رسله.
ثم اعلموا أيها المؤمنون أنه {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ} خصوصاً اليهود والنصارى {لَوْ يَرُدُّونَكُم} بأنواع الحيل والنفاق {مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ} بالله وكتبه ورسله {كُفَّاراً} مردين واجب القتل والمقت عند الله، وليس ودادتهم كفركم لغايى تصلبهم في دينهم ونهاية غيرتهم عليه بل {حَسَداً} لكم ناشئاً {مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} من غاية عداوتهم معكم {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ} ظهر {لَهُمُ} أن دينكم {ٱلْحَقُّ} المطابق للواقع بشهادة كتابهم ونبيهم، وإذا فهمتم أمرهم وعرفتم عداوتهم {فَٱعْفُواْ} عن الانتقام والعقوبة {وَٱصْفَحُواْ} أعرضوا عن التعبير في التقريع واصبروا {حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ} باسمه المنتقم {بِأَمْرِهِ} المبرم من ضرب الذلة والمسكنة والغضب عليهم دائما {إِنَّ ٱللَّهَ} المتجلي باسم المنتقم {عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109] من أنواع الانتقامات قدير على الوجه الأصعب الأشد.