خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٢٦
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
١٢٧
رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ
١٢٨
رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ
١٢٩
-البقرة

تفسير الجيلاني

{ وَ } بعد { إِذْ } أمرنا وابنه بطهارة البيت وامتثالا بالمأمور { قَالَ إِبْرَاهِيمُ } منيباً إلينا، داعياً راجياً في دعائه النفع العام: { رَبِّ ٱجْعَلْ } بيتك { هَـٰذَا بَلَداً آمِناً } ذا أمن للمتوجهين إليها والعاكفين ببابها عن العلائق المانعة عن التوحه المعنوي { وَ } بعدما توجهوا نحوه { ٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ } المترتبة على سرائر تعيينه وتخصيصه، ووجوب طوافه على المستطيعين المنهمكين في الشواغل المانعة عن التوجه إلى الكعبة الحقيقية الممثلة عنها هذا البلد.
ولما دعا إبراهيم بهذا الدعاء المجمل المطلق لهم، فصله سبحانه إجابة دعائه بقوله: { مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } من المتوجهين الزائرين { بِٱللَّهِ } الواحد الأحد تعبداً وانقياداً { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } المحقق الوقوع إذعاناً وتصديقاً، فلهم ما دعوت لهم من أنواع الإفضال والإنعام؛ جزاء لهم وإجابة لدعائك ثم { قَالَ } سبحانه: { وَمَن كَفَرَ } منهم وجحد بعدما وضح لهم الطريق { فَأُمَتِّعُهُ } متاعاً { قَلِيلاً } من مفاخرة الأقران والاستكبار على الإخوان وتفرج البلدان { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } بعد جحوده وإنكاره { إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ } بل أشد منها، وهو حرمانه عن الفوائد المرتبة على الطواف والزيادة المنبئة عن الوصول إلى مرتبة العبودية والمخلصة، عن جهنم الإمكان الذي هو مصير أهل الكفر والطغيان { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [البقرة: 126] مصيرهم الذي لا ينجو منه أحد من أهله، عصمنا الله منه بمنه وجوده.
{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل { إِذْ يَرْفَعُ } يحمل جدك { إِبْرَٰهِيمُ } الاواه المنيب { ٱلْقَوَاعِدَ } أي: التكاليف الشاقة الناشئة { مِنَ } إنشاء { ٱلْبَيْتِ } المعد للاهتداء إلى كعبة الوصول من التجريد عن لوازم الحياة ومقتضيات الأوصاف المترتبة عليها، وترك المألوفات وقطع التعلقات العائقة عن الموت الإداري الموصل إلى مقر الوحدة المغنية للكثرة الموهمة، المستتبعة للبعد والفراق عن فضاء التوحيد { وَ } أبوك أيضاً { إِسْمَٰعِيلُ } الراضي بقضاء الله، المرضي بما جرى عليه من البلاء، واذكر أيضاً دعاءهما بعدما احتملا المشاق والمتاعب بقولهما: { رَبَّنَا } يا من ربانا بأنواع المنح التي ليست في وسعنا وقدرتنا { تَقَبَّلْ مِنَّآ } ما أقدرنا عليه { إِنَّكَ أَنتَ } القادر لما جئتنا به { ٱلسَّمِيعُ } لمناجاتنا قبل إلقائنا { ٱلْعَلِيمُ } [البقرة: 127] لحاجاتنا وإخلاصنا في نياتنا.
{ رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا } بفضلك { مُسْلِمَيْنِ لَكَ } مستسلمين مفوضين جميع أمورنا إليك، مخلصين فيه ربنا { وَ } اجعل أيضاً { مِن ذُرِّيَّتِنَآ } المنتسبين إلينا { أُمَّةً مُّسْلِمَةً } مسلمة { لَّكَ } مطيعة لأمرك { وَأَرِنَا } اكشف لنا ولهم { مَنَاسِكَنَا } سرائر مناسكنا التي نعملها على مقتضى أمرك وتكليفك { وَ } إن أخطأنا فيما أمرتنا { تُبْ عَلَيْنَآ } عماجرى علينا من لوازم بشريتنا { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ } للعباد العاصين الخاطئين { ٱلرَّحِيمُ } [البقرة: 128] بقبول توبتهم، وإن نقضوها مراراً.
ثم لما كان الغالب عليهما توحيد الصفات والأفعال، دعوا ربهما متضرعين أن يبعث من ذريتهما من يغلب عليه توحيد الذات فقالا: { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ } أي: في الأمة المسلمة { رَسُولاً مِّنْهُمْ } هداياً إلى توحيد الذات { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ } أولاً { آيَٰتِكَ } الدالة على ذلك ظاهراً { وَ } ثانياً: { يُعَلِّمُهُمُ } يفهمهم { ٱلْكِتَٰبَ } المبين سرائر الآيات { وَ } ثالثاً: بكشف ويوضح لهم { ٱلْحِكْمَةَ } التي هي سلوك طريق التوحيد الذاتي { وَ } ورابعاً: { يُزَكِّيهِمْ } أي: يطهرهم عن رؤية الغير في الوجود مطلقاً { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ } الغالب القاهر للأغيار { ٱلحَكِيمُ } [البقرة: 129] في إيجادها وإظهارها على وفق مشيئتك وإرادتك.