خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
١٣٧
صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ
١٣٨
قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ
١٣٩
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
١٤٠
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤١
-البقرة

تفسير الجيلاني

{ فَإِنْ آمَنُواْ } بعدما سمعوا منكم هذه الأقوال { بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ } بعد سماعكم طريق الإيمان من رسولكم { فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } إلى طريق التوحيد كما اهتديتم { وَّإِن تَوَلَّوْاْ } أعرضوا عن أقوالكم لهم تذكيراً وعظة { فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ } أي: ما هم إلا في خلافهم وشقاقهم الأصلية وعداوتهم الجلية { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } المحيط بكم وبهم، المطلع على سرائرهم وضمائرهم مؤنة خلوفهم وشقاقهم { وَ } لا تشكو في كفايته؛ إذ هُوَ ٱلسَّمِيعُ{ } لأقوالهم الكاذبة { ٱلْعَلِيمُ } [البقرة: 137] بكفرهم ونفاقهم الكامنة في قلوبهم.
ثم قولوا لهم بعدما أظهروا الخلاف والشقاق: ما جئتنا به عن التوحيد الحاصل من متابعة الملة الحنيفية { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } المحيط بنا، صبغ بها قلوبنا؛ لنتهدي إلى صفاء تجريده وزلال تفريده { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً } حتى نتبعه؛ إلا ذ وجود لغيره { وَ } إذ لم يكن للغير وجود { نَحْنُ لَهُ } لا لغيره { عَابِدونَ } [البقرة: 138] عائدون راجعون رجوع الظل إلى ذي ظل، والصور المرئية في المرآة إلى الرائي.
ثم لما طال نزاع أحبار اليهود مع المؤمنين ومجادلتهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر سبحانه لحبيبه بأن يتكلم بكلام ناشئ عن لب الحكمة، فقال: { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل كلاماً دالاً على توحيد الذات، مسقطاً لجميع الإضافات { أَتُحَآجُّونَنَا } وتجادلوننا { فِي اللَّهِ } المظهر للكل من كتم العدم، بإشراق تجليات أوصافه فيه، ورش من نوره عليه { وَ } الحال أنه ليس له اختصاص ببعض دون بعض بل { هُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } بإظهار ذواتنا وذواتكم من العدم، { وَ } بعد إظهاره إيانا { لَنَآ أَعْمَالُنَا } صالحها وفاسدها { وَلَكُمْ } أيضاً { أَعْمَالُكُمْ } الصالحة والفاسدة، لا تسري منكم إلينا ولا منا إليكم { وَنَحْنُ } المتبعون لملة إبراهيم { لَهُ } أي: لله المظهر الظاهر بجميع الأوصاف والأسماء لا لغيره من الأظلال { مُخْلِصُونَ } [البقرة: 139] متوجهون على وجه الإخلاص المنبئ عن المحبة المؤدية إلى الفناء في ذاته.
جعلنا الله من خدام أحبائه المخلصين.
أيسلم اليهود والنصارى ويذعنون بعدما أوضحنا لهم أنا على ملة إبراهيم دونهم؟ { أَمْ } تعاندون { تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } تابعين لملتنا فإن كابروا وعاندوا وقالوا مثل هذا { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل مستفهماً مستوبخاً على وجه التنبيه: { أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ } بحالهم { أَمِ ٱللَّهُ }؟ النافي عنهم اليهودية والنصرانية بقوله:
{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً } [آل عمران: 67] مائلاً منهما، ثم ذرهم في خوضهم يلعبون { وَ } بعد ما ظهر عندهم حقية دين نبينا صلى الله عليه وسلم، وتحقق موافقة ملة أبيه إبراهيم بشهادة كتبهم ورسلهم { مَنْ أَظْلَمُ } على الله { مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً } ثابتة في كتب الله التي صحت { عِندَهُ } أنها منزلة { مِنَ ٱللَّهِ } المنزل للرسل والكتب، مصدقاً بعضها بعضاً كتماناً ناشئاً عن محض العداوة والشقاق بعد جزمهم حقيتها ومع ذلك يتوهمون كتمانها من الله أيضاً { وَمَا ٱللَّهُ } المحيط بمخايلهم { بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة: 140] من الكتمان والنفاق حفظاً لجاههم وجاه آبائهم.
قل لمن تبعك يا أكمل الرسل تذكيراً لهم وتحذيراً: { تِلْكَ أُمَّةٌ } صالحة أو طالحة { قَدْ خَلَتْ } مضت { لَهَا } في النشأة الأخرى جزاء { مَا كَسَبَتْ } من الحسنات والسيئات في النشأة الأولى { وَلَكُمْ } فيها جزاء { مَّا كَسَبْتُمْ } فيها { وَلاَ تُسْأَلُونَ } أنتم في يوم الجزاء { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [البقرة: 141] من الصالحات والفاسدات كما لا يسألون عن أعمالكم بل كل مجزي بصنيعه، مقتضٍ ببضاعته.
نعوذ بفضلك من عذابك يا دليل المتحيرين.