بشر أيضاً يا أكمل الرسل { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ } وهو تنمية المال بأخس الطرق، والإضرار بأخيه المسلم، وإتلاق ماله مجاناً بلا رعاية غبطة بأنهم { لاَ يَقُومُونَ } في البعث { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ } الشخص { ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } في النوم، كيف يقوم صرعى حيارى، مضطرباً منتهكاً مشوشاً هائلاً بلا سبب { ذَلِكَ } الأمر الفظيع الهائل { بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ } في التنيمة { مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ } وهم يسوون بين البيع والربا { وَ } الحال أنه { أَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ } لأن غبطة المشتري مرعي فيه حالاً ومآلاً، وهو يرضاه بلا اضطرار، بخلاف الربا فإن غبطة الآخذ غير مرعية فيه، بل إنما ارتكبه اضطراراً { وَ } لذلك { حَرَّمَ } الله العليم الحكيم { ٱلرِّبَٰواْ } لئلا يتلف أموال المسلمين مجاناً بلا عوض ولا رضا { فَمَن جَآءَهُ } بلغه { مَوْعِظَةٌ } قبل { مِّنْ رَّبِّهِ } في أثناء ما يربو به { فَٱنْتَهَىٰ } نفسه بإسماعها في الربا { فَلَهُ مَا سَلَفَ } أخذ وقبل الموعظة لا يسترده الشرع { وَأَمْرُهُ } مفوض { إِلَى ٱللَّهِ } يجازيه على الانتهاء إن كان من أهل القبول والإنابة، ويعاق عليها إن كان من أهل التزلزل والاضطراب { وَمَنْ عَادَ } بعدما سمع وانتهى { فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 275] دائمون مستمرون ما شاء الله.
ومن سنته سبحانه أنه { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ } أي: يذهب بركته، ويهلك المال الذي يدخل هو فيه { وَيُرْبِي } يزيد وينمي المال الذي يخرج منه { ٱلصَّدَقَٰتِ } ويضاعف ثوابها ويبارك على صاحبها، كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما نصقت زكاة من مال قط" { وَٱللَّهُ } المتجلي بالتجلي الجلي { لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ } ستار مصر على تحليل المحرمات { أَثِيمٍ } [البقرة: 276] بارتكاب المحظورات مجترء على ترك المأمورات.
ثم قال سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله الواحد القهار الأحد الفرد الوتر في ذاته { وَ } آمنوا أيضاً بجميع رسله المرسلة من عنده، وبجميع ما جاء به من الأوامر والنواهي { عَمِلُواْ } جميع { ٱلصَّٰلِحَٰتِ } المأمورة لهم { وَ } خصوصاً { أَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } المفروضة لهم بكتاب الله { وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ } المكتوبة عليهم فيه { لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } من ترقب مؤلم { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 277] من فوت ملذ مسربل، لهم ما لهم بالفعل بلا انتظار وترقب.