خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٨
فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
٥٩
وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ
٦٠
-البقرة

تفسير الجيلاني

{ وَ } واذكروا ظلمكم أيضاً { إِذْ قُلْنَا } بعد خروجكم من التيه إشفاقاً لكم وامتناناً عليكم { ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } التي هي من منازل الأنبياْ والأولياء وهي بيت المقدس { فَكُلُواْ مِنْهَا } من مأكولاتها ومشروباتها { حَيْثُ شِئْتُمْ } بلا مزاحم ولا مخاصم { رَغَداً } واسعاً بلا خوف من السقم حتى يتقوى مزاجكم ويزول ضعفكم، وبعد تقويتكم المزاج بالنعم ارجعوا إلينا وتوجهوا نحو بيتنا التي فيها { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } مذللين خاضعين، واضعين جباهكم ووجوهكم على الأرض، وعند سجودكم استغفروا ربكم من خطاياكم { وَقُولُواْ } رجاؤنا منك يا مولانا { حِطَّةٌ } أي: حط ما صدر عنا وجرى علينا من المعاصي والآثام، وإذا دخلتم كما أمرتم واستغفرتم كما علمتم { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ } التي جئتم بها واستغفرتم لها { وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 58] منكم، الذين لم يتجاوزوا الحد ولم يخالفوا الأمر الراضون الذي لا مرتبة أعلى منه.
ولما أمرناهم بالدخل على هذا الوجه، وعلمناهم طريق الدعاء والاستغفار خالف بعضهم المأمول ظلماً وتأويلاً { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } بالخروج عن أمرنا، قولنا لهم لإصلاح حالهم { قَوْلاً } آخر لفظاً ومعنى { غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } بأن أرادوا من اقول الملقى إليهم لفظاً آخر، ومعنى آخر برأيهم الفاسد وطبعهم الكاسد حطاً سمتاتاً؛ أي: حنطة حمراء، ولما لم يأتوا بالمأمور به ومع ذلك بدلوا إلى ما تهوى أنفسهم أخذناهم بها { فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } تنصيصاً عليهم وتخصيصاً لهم، لتعلم أن سبب أخذهم ظلمهم { رِجْزاً } طاعوناً نازلاً { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [البقرة: 59] يخرجون عن حدود الله المنزلة من السماء بأنواع الفسوق والعصيان.
{ وَ } اذكروا أيضاً { إِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ } وطلب السقي بإنزال المطر { لِقَوْمِهِ } حيث بثوا شكواهم عنده من شدة العطش في التيه { فَقُلْنَا } له مشيراً إلى ما يترقب من مطلوبه بل يستبعده: { ٱضْرِب } ولا تستعبد { بِّعَصَاكَ } التي استعنت بها في الأمور والوقائع { ٱلْحَجَرَ } الذي بين يديك فتفطن موسى بنور النبوة للأمر الوجوبي، فضربه دفعة { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ } فجأة { ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } متمايزة منفردة كل منها عن صاحبتها بعدد رءوس الفرق الاثني عشر بحيث { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ } من كل فرقة { مَّشْرَبَهُمْ } المعينة لهم دفعاً للتزاحم والتنازع، ثم أمرناكم بما ينفعكم ظاهراً وباطناً بأن قلنا لكم: { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } مترفهين متنعمين { مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ } الذي رزقكم من محض فضله ولطفه من حيث لا تحتسبون ونهيناكم عما يضركم صورة { وَ } معنى بأن قلنا لكم: { لاَ تَعْثَوْاْ } أي: لا تظهروا { فِي ٱلأَرْضِ } خيلاء متكبرين { مُفْسِدِينَ } [البقرة: 60] فيها بأنواع الفسادات منتهزين بها، و
{ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [لقمان: 18].